السلام عليكم

TT

فظ. شظف. قسوة. حشر. فخ. رماد. بحر. ربيع. نسيم. أبح. نحيل. رخيم. غليظ. ريح. زوبعة. سقط. معتوه. طَحنَ. دارَ. زلزال. مطر. رذاذ. ندى.

في كل كلمة من هذه الكلمات دلالة لفظية توائم المعنى، أكثر مما هو الأمر في أي لغة أخرى من لغات العالم. لاحظ الفارق الايحائي بين مطر والرذاذ والندى، وما في هذه الكلمات من مدلول صوتي: ثقل المطر، ويدل عليه حرف الطاء المضخم، وتباعد السقوط، ويدل عليه رش الرذاذ، والندى، وهو عذوبة لا مطر ولا رذاذ.

واذا قيل لك «سكون» ولم تكن سمعتها من قبل، فما اغنى وأدل معناها: سكون. الهدوء الطويل. والواو كأنها تأمرك بالاصغاء الى صوت الصمت: سكون. فسيح. وسيع. رحب. كل كلمة وكأنها تحمل معناها في ايقاعها. شطيرة. شواء. عصر. عصارة. عصير.

كل اللغات فيها دلالات لفظية وايقاع ايمائي. هذه مسألة طرحت منذ سقراط وافلاطون. الدعوى هنا هي ان اللغة العربية هي الأغنى في ذلك: ريح. ريح صرصر. انها تبرق. الرعد. الشروق. المغيب. تبخر. لقد تبخر. لقد اختفى. لقد اختبأ. كل كلمة صورة صوتية. يساعد في ذلك، على ما أرى، وجود بعض الاحرف في العربية دون سواها: صفع. لفحَ. ضرب. اضّر. ضارٍ. عين الصفع وحاء اللفح وضاء الضرب او ضاد الضراوة. الحرف هو الذي يكمل الصورة بإيقاع صوتي. فالصفع كأنك تسمع وقعه. الصدى كأنك تستعيد الصوت.

ومن تلقاء نفسها ألغت اللغة كلمات لم تعد توائمها. فلم نعد نقول الشنعوف بل القمة، ولا المخلط بل اللبن المتجمد، ولا القفندر بل القبيح، ولا القذعملة بل القصيرة. وتغيرت معاني بعض الكلمات تغيرا جوهريا، من دون ان يحدد لذلك سبب. فكلمة الحاجب التي تعني اليوم الموظف الصغير ـ أو أدنى درجات الوظيفة ـ الذي يقف على الباب في انتظار الأوامر، كانت في الماضي تعني رئيس الوزراء، أو اعلى المعاونين شأنا عند الخليفة.

وكانت تحية الملوك والعامة تحمل معاني لا تتضمنها اللغات الأخرى: أبيت اللعن، أي ابيت كل ما يلعن عليه. واسلم. وانعم صباحا. وطابت ايامك. وكانت تحية اهل الشام لملوكهم «يا خير الفتيان» و«عمَّرك الله» أو «عشت الف عام». لكن العرب فضلت على كل ذلك «السلام عليكم» منذ ان قال الرسول صلى الله عليه وسلم الى عمير بن وهب «لمَ تقول انعم صباحا وقد كرمنا الله بتحية خير من تحيتك بالسلام، تحية اهل الجنة».