عندما (يتخامش) الأحباب

TT

إنني من قراء التراث بشكل مستمر، ولكن قراءتي له إنما هي قراءة نقدية وترويحية في نفس الوقت، وما أكثر ما استفدت من تلك القراءات سواء سلباً أو إيجاباً، وما أكثر ما ضحكت وبكيت، وما أكثر ما رفعت حواجبي تعجباً وتهكماً، وما أكثر ما احمرّ وجهي فرحا وخجلا واندهاشا.

وبالأمس القريب كنت أقرأ في كتاب «نزهة الألباب»، ووصلت إلى باب يتحدث عن (الصفع) وما فيه من (الفوائد والنفع)، ولا بأس أن أورد لكم ملخصاً لذلك الباب، علّ بعضكم يستفيد منه ويطبقه في حياته مع أهله وأحبابه وأصحابه ومعارفه.

يقول المؤلف: لقد رأيت الناس يتلفون الأموال الجليلة، ويحلون العقد النفسية، وينفقون الأموال الكثيرة على لذة يريدون أن يتلذذوا بها وسرور ليلة يتنعموا بها، فلا يداخلهم السرور، ولا يظهر عليهم من الانبساط والابتهاج عُشر معشار ما يعرض لهم عند وقوع (صفعة) في المجلس وما يقع عقبها من الضحك والاستبشار.

وأتم ما يجري الأمر إذا قصد كل مصفوع إلى من هو على يمينه فأخذ حقه منه، ولا يزال ذلك السرور بينهم يدور كما تدور الكأس بعذب الشراب.

وفي الصفع تواضع لله عز وجل، ومجانبة للكبر من هذا الجليل المهيب لا يزال في صدر من هو دونه محذوراً مقلواً مبغضاً، وإذا انبسط مع من هو دونه في الصورة (وصافعه) ولاعبه، سقطت تلك السمات وزالت عنه الأوصاف المستقبحات، وقبلته الأنفس وألفته الأرواح، وخف على القلوب.

كما أن في (الصفع) علاجاً لأدواء كثيرة منها: الفالج، واللقوة، والسكتة، والصدمة من البرد، وفيه تصفية للذهن، وتذكية للقلب، ونفي للنسيان، وإزالة للبلادة.

وفيه من الظرف الشيء الكثير، ألا ترى الأحباب (يتخامشون)، ويتداعبون بالقَرص والعض واللطم على الخد، والضرب بالكف على بعض جوارح البدن، فبعضهم يضرب الكتف والجنب، ومنهم مَن يتعمد ويضرب الردف.

انتهى الملخص.

وما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد سمعت قبل مدة أن أحد المعارف لا يفتأ يضرب زوجته دائماً، وكثيراً ما سمع الجيران صراخ تلك المسكينة، فأخذتني الحمية خصوصاً أنني من مناصري حقوق الإنسان، فذهبت إليه وانتحيت به جانباً لكي أنصحه، وسألته مستغرباً: سمعت أنك تضرب زوجتك دائماً ولم أصدق ذلك لما أعلمه عنك من حُسن الخلق، فهل ذلك صحيح؟!، قال لي بكل برود: نعم. فبدأت ملامح الغضب تظهر على وجهي وقلت له: والله عيب عليك، فردّ عليّ سريعاً: أنت لا تعلم أنها هي التي تحثني على ضربها، وكلما ضربتها صرخت قائلة: كمان زيد، وكلما زدت ولوَلت قائلة: أكثر وأكثر، بقوة، ولا أكتفي بضربها بكفوفي أو بالخيزرانة فقط، لكن أعزك الله حتى (بالمداس) ـ أي بالشباشب ـ، وإذا لم أفعل تنيل وتطين عيشتي، وعندما وصل إلى هذا الحد، ما كان مني إلاّ أن أنهض وأخرج، وأنا أردد بصوت مرتفع: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وبما أنني قد تأثرت بتلك القراءة، فقد اجتهدت وأقنعت رجلا لا يخلو من (السذاجة والهبَل)، بأن يجرب طريقة (الصافع والمصفوع)، لما فيها من الفائدة المتبادلة، وفعلا صدقني الأهبل، فبينما كان في إحدى المناسبات وإذا به فجأة وبدون مقدمات يوجه لمن كان يجلس على يمينه صفعة مدوية على صدغه المربرب، فما كان من الأخير إلاّ أن يلتقط طفاية السجائر التي كانت أمامه، ويهبده بها على أرنبة أنفه، وما زال أنفه متورماً ومعوجاً من شدة الهبدة.

[email protected]