محاولات ضد إجهاض الديمقراطية في موريتانيا

TT

كم من جنين يُتوقع له الإجهاض ولكن التزام الأم بإرشادات الطبيب وتشبث الجنين بالحياة قبل أن يُزف إليها ورعاية مشيئة القدر لنبضاته الأولى، كل ذلك يُحول وجهة الجنين من الإجهاض والموت إلى الاستمرار في التشكل حتى يُصبح مولودا يسر الناظرين. هذه الحالة الايجابية من حالات تحويل الوجهة القليلة من الإجهاض إلى الحياة، يبدو أنها تشبه إلى حد بعيد ما يحصل اليوم في موريتانيا وخارجها من محاولات تسعى إلى الذود عن حرمة النظام الدستوري وإنقاذ الديمقراطية الوليدة فيها. محاولات، بدأت حثيثة وجادة منذ تاريخ انقلاب 6 أغسطس المفاجئ إلى اليوم، الشيء الذي جعل من الانقلاب غير تام وغير معترف به وبالتالي كأنه لم يحصل وفقا لأرشيف الانقلابات في العالم العربي.

لقد مضى إلى حد الآن قرابة الشهرين ونصف الشهر على تاريخ حدوث الانقلاب ورغم ذلك فإن مظاهر الاستماتة الرافضة له لم تتزعزع بشكل يثير تساؤلات، خصوصا أننا تعودنا على التهليل للانقلابات إذا ما وقعت والهتاف للقادة الجدد منذ اللحظة الأولى من التأكد من نجاحه. في حين أنه في هذه المرة تحديدا، فإن الأمور مختلفة لا عن الانقلابات التي عايشتها بعض الدول العربية بل حتى مقارنة بالانقلابات السابقة في موريتانيا.

واللافت أن المشهد السياسي الموريتاني، قد برهن على شجاعة قلما نجد لها مثيلا في المشاهد السياسية العربية حيث كثيرا ما تختار الأطراف المعارضة الصمت أو الانخراط طمعا في حظوظ أوفر، بينما قدمت بعض أطياف المعارضة في موريتانيا نموذجا للكيفية التي يجب أن تكون عليها المعارضة الوطنية الحقيقية التي لا تتخلى عن دورها الرّيادي في تكريس الديمقراطية وآلياتها وشروطها والدفاع عن مؤسساتها. فتشكيل الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية في موريتانيا والمتكونة ـ أي الجبهة ـ من خمسة أحزاب مناهضة للانقلاب، دليل على أن مستقبل الديمقراطية سيكون بخير في موريتانيا مادام المشهد السياسي يحظى بمعارضة لم تتنازل عن أدوارها وهو ما سيعزز صورتها ويجعل كافة مكونات المشهد السياسي تحسب لها الحساب السياسي المطلوب.

طبعا لا شك في أن الضغوطات الخارجية على مجلس الحكم العسكري قد زادت في قوة موقف المعارضة، ذلك أنها ضغوطات ذات قيمة من حيث مصدرها ومن حيث تداعياتها إذا لم يتم التفاعل معها ايجابيا.

وبلفت النظر عن دوافع الأطراف الخارجية في الدفاع عن الديمقراطية والدعوة غير المشروطة للإفراج عن الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبد لله والعودة إلى النظام الدستوري، فإن الثابت أن نتائج هذه الدوافع هي في صالح الديمقراطية الوليدة في موريتانيا خصوصا أن العالم قد عبر عن تقدير شديد للانتخابات الحرة والنزيهة التي أوصلت الرئيس المُطاح به إلى سدة الحكم. وبما أن تلك التجربة الفريدة التي هي أشبه ما يكون بحادث ديمقراطي فريد من نوعه، هي نتاج حراك سياسي طموح وجاد فإن المنطق استدعى عدم التنازل عن ذلك المكسب بجرة محاولة انقلاب. لذلك، فإن المحاولات الخارجية التي يمثلها الاتحاد الأوروبي الذي منح السلطات العسكرية في موريتانيا مهلة شهر للعودة إلى النظام الدستوري والشرعية وأيضا الولايات المتحدة التي فرضت حظرا على سفر بعض أعضاء المجلس العسكري، كلها تصب في رصيد إنقاذ الديمقراطية الوليدة في موريتانيا، باعتبار أن الإطاحة بالرئيس المخلوع هي من حيث الدلالة الرمزية إطاحة بصناديق الاقتراع والانتخابات التي أدارت رقاب العالم إلى موريتانيا.

إن الحراك الداخلي والخارجي الذي تعيشه موريتانيا حاليا، أقرب ما يكون إلى جنين متمسك بالحياة الديمقراطية.

[email protected]