الانتخابات الأميركية والعراق.. تبادل التأثير

TT

بعد غد.. يوم يرقبه العالم كله، فاذا كان لقبل فترة قليلة العالم متأثرا بالسياسة الامريكية جزئياً وكان يسع بقية البشر من غير المنشغلين بسياسات القوى الكبرى وصراعاتها أو من الذين يعيشون في أجزاء العالم البعيدة عن مناطق الصراع والتوتر ان ينأوا بانفسهم ويتفادوا التأثر والانشغال بهذه السياسات، فان الأزمة الاقتصادية التي بدأت من الولايات المتحدة لم تستثن أحدا من تأثيراتها، ولهذا يعود ترقب الساكن الجديد في البيت الابيض هاجس كل انسان، لكون الامر تعدى لمستوى معيشته وتعليم اولاده واقساط مسكنه ولحصة نظامه الصحي ومدخرات تقاعده، اما بالنسبة لمن لا يملك فهو هذه المرة ليس آمناً كونه مفلسا في هذه القافلة، حيث ان الازمة هذه المرة لم توفره وستطاله ملاحقة حتى قوت يومه.

لذا فاذا كان لشعوب ودول العالم اسباب مختلفة للانشغال بالانتخابات الرئاسية الامريكية، وان الازمة الاقتصادية عملت على ايجاد عامل مشترك لهذا الاهتمام والترقب، فان عند العراقيين ما يشتركون به مع كل هذه الشعوب مضافاً له بوضوح ما ينفردون به بسبب الوجود الامريكي في العراق وافاق تنظيم العلاقة والذي سيكون لهوية الرئيس الامريكي القادم الحسم في مستقبلها.

المقاربة الاولى التي ربما كان سيؤثر فيها العراق بمخرجات الانتخابات الامريكية، هي توقيت توقيعه على الاتفاقية الامنية والذي كان سيشكل جرعة امل واعطاء حظوظ ربما تجنب الجمهوريين مغادرة البيت الابيض، فالسؤال اذن لم احجمت القيادة العراقية عن دعمها لحليف في اشد اوقاته ضيقاً وحراجة ؟ مع ان هذا لم يخفه او يتردد عن طلبه المسؤولون الامريكيون عبر الالحاح والضغط على ابرام الاتفاقية قبل الانتخابات متذرعين، وهم بالطبع لا يستطيعون غير ذلك، بان غايتهم هي اعطاء قاعدة صلبة لبقائهم في العراق ولعلاقتهم معه وتوفير افق واضح للرئيس القادم، اذ بخلافه فان الاستمرار بالمفاوضات المفتوحة واعطاء تنازلات كبيرة من شأنها ان تقوض سياستهم الخارجية، وتعيق البناء على النجاح المتحقق، كما انها ستعزز من جناح الرفض المتنامي لاستمرار المفاوضات بينما يخاطرون بحياتهم لحماية العراقيين. الجواب الذي يراه معارضو الحكومة وخصومها ومنافسوها الداخليون، ان ذلك ينم عن قلة وفاء وتنصل عن تحقيق التزامات سابقة او هو موقف تخادم وارضاء لايران الرافضة والمتصدية علناً لهذه الاتفاقية، لكن الذي ينتقص من هذا الرأي ما بدا فيه من اختزال ومحاكمة للنوايا اكثر مما هو تحليل يستجمع كل زوايا الموقف .

فهذا الموقف المحجم يمكن رده لعدد من الاسباب، اولها ان القيادة العراقية ترى انه في ضوء تقارب حظوظ المرشحين فانها لا تريد بتوقيع الاتفاقية قبل الانتخابات ان تسجل نقطة لصالح احد الاطراف على الاخر في اجواء يلوح فيها التغيير مما يعيق او يسمم العلاقة مع الطرف القادم لذا فضلت ان تحتفظ بمسافة واحدة من كلا المرشحين، وهنا لا يغفل ما اشيع عن تمني فريق اوباما التريث بالتوقيع، وبالتالي المصلحة العراقية ارتُئي بانها تحفظ بالاستثمار في كلا المرشحين وليس بالدخول بمقامرة التفضيل.

وثانياً ان الطرف العراقي وجد ان فرصته تعظم باستثمار عامل الزمن الضاغط على الادارة الامريكية لتحسين شروط الاتفاقية لمصلحة سيادة العراق ومصالحه الاساسية.

وثالثاً انه من غير المقبول ربط القضية العراقية ومستقبل الوجود الاجنبي فيه لسنين قادمة بعوامل ظرفية انتخابية.

ورابعاً لكسر حدة معارضة ايران بتحقيق نصف ما تريد وهو مراهنتها بان عدم توقيع الاتفاقية سيجلب ادارة ديمقراطية جديدة لامريكا ستكون انكفائية على الداخل واقل تعرضية في سياستها الخارجية وميالة للانخراط في التفاوض مع الخصوم الاقليمين.

وخامساً الاستفادة من انتزاع تعديلات اللحظة الاخيرة بما ينجز اتفاقا يمكن الدفاع عنه وتمريره في البرلمان.

وسادساً تفويت الفرصة على الاحزاب والكتل العراقية المتنافسة الذين رغم ادراكهم للمصلحة الوطنية فهم يوظفون مواقفهم لاحراج بعضهم البعض ولتسجيل نقاط امام الراعي الامريكي .

اما المقاربة المقابلة، والتي امتلك فيها كثير من التمني والقليل من اليقينية، هي التأثير المعاكس، أي ان تؤثر الانتخابات الامريكية على الانتخابات العراقية وأعني هنا السلوك الانتخابي، فهذا التغيير اللائح في المزاج الانتخابي الامريكي بان ربما يجلس لاول مرة شاب ومن اصول افريقية ومتواضعة على كرسي رئاسة المنصب الاول في امريكا وبالطبع في العالم والتخلي عن التقليد الذي درج على اختيار الرؤساء من اصول بيضاء انكلوسكسونية بروتستانتية، يدل على قدرة الديمقراطية على التجديد وبتخطيها للطروحات العرقية ولإرث الصراع ووفائها للفرص المتساوية، والاهم هو سلوك الناخب الذي حتى وان لم ينجح في ايصال اوباما فانه وضعه في صدارة هذه المرحلة المتقدمة مدللاً على سلوك انتخابي يعطل الهوية من اجل المصلحة، باختيارهم مرشحاً يقدم لهم مشروعاً اقتصادياً، فانهم تناسوا العنصرية لمصلحة الاقتصاد وهو تحديداً ما امل ان يتعلمه الناخب العراقي، وفقاً لقاعدة ابن خلدون القاضية بان المغلوب مولع بتقليد الغالب، فعسى ان يولع بهذا، فيتخطى دوافع ونوازع الهوية التي حكمت سلوكه الانتخابي ويختار الافضل لادارة حياته متجاوزاً مرحلة التأسيس ومرحلة اثبات النفس بالتخندق والتعبد بالهويات الطائفية والعرقية، وادراك بأن الانسان هو بالنهاية يلتقي ويجتمع مع الاخرين في مشترك الحاجات.

لا أزعم ولا أرى تحولا وشيكا في سلوك الناخب العراقي في المستقبل القريب، ويصوت عابراً لهويته باتجاه مصلحته، بل على الاقل ان ما أراه ان هذا سيشكل نذر تحذير لاحزاب كل مكون بان تجتهد في ان تقدم الافضل وفي ان توفر فرشة خيارات واسعة من المرشحين، والا ستجازف بعزوف وتصويت يدير ظهره لها متجهاً نحو البدائل الافضل، اذ من الصعب المراهنة بان يظل العراقي كائنا طائفيا ليس إلا ..