أكشن

TT

مشاهد المعركة في افلام الاكشن تحيرني. فالكاميرا تدور واللكمات توزع بالعشرات يمينا ويسارا ويسقط الضحايا الواحد بعد الاخر ولكنك في النهاية لا تعرف من يضرب من. وتلك هي واحدة من مهارات الاخراج السينمائي.

يخيل الي ان العالم يعيش حالة تشبه فيلما من افلام الاكشن. فالازمة الاقتصادية تهدد الجميع، ضحاياها بالالاف، والاتهامات المتبادلة بالمئات. وفي الغالب لا يسمح للشخص العادي ان يفهم حقيقة من يضرب من.

بعد الازمة تأتي الحملة الانتخابية الاميركية. ورغم ان استطلاعات الرأي تشير الى تقدم اوباما على ماكين يظل قطاع كبير من الناخبين غير مستقر على اختياره. ولعل اطرف ما قرأت هو ما قاله ناخب يعترف بأن كلام اوباما جميل ومقنع. ثم يصمت ويقول ليته كان رجلا ابيض ليكون قرار انتخابه اسهل. لون بشرته اذن يحدد حجم جدارته في نفوس البعض في اكبر الديمقراطيات الغربية. وحتى لا نظلم تلك الفئة ادهشني ان اكثر ما تلقته سارة بالين المرشحة لمنصب نائب الرئيس في الحزب الجمهوري من انتقاد هو ان اموال المتبرعين للحملة انفقت ببذخ على تحسين مستوى اناقة المرشحة. فقد انفقت عشرات الالاف لتظهر للعالم الانتخابي وقد اكتسبت مظهرا انيقا جذابا يسر الناظرين، نيو لوك، بلغة الموضة.

كل شيء في عالم اليوم يعامل وكأنه سلعة يمكن ان تباع وتشترى وتؤجر اذا لزم الامر. وقد اكون مخطئة في افتراضي من ان الازمة المالية التي تهدد العالم حاليا هي احدى نتائج التعامل مع المال على انه سلعة. وقد نتج عن تسليع المال ان اصبح الانسان ايضا سلعة تباع وتشترى وتؤجر اذا لزم الامر. والسلعة تفقد قيمتها الاساسية ان لم تلق رواجا، ولكي تلقى الرواج المطلوب الذي يدفع عجلة البيع والشراء يجب ان تغلف تغليفا يبهر الناظر اليها ويقنعه بأن النعيم هو امتلاكها والجحيم هو ان تظل بعيدة عن متناول يده. وقد يكون ذلك هو احد الاسباب التي دعت القائمين على حملة الجمهوريين لانفاق الغالي والنفيس لكي تظهر بالين بمظهر يقنع الناخبين بأنها الافضل. منذ ان يفتح الفرد عينيه في الصباح ويستعيد حالة الوعي تبدأ كاميرا الاكشن في الدوران. من غير المسموح له ان يفكر الا في المشهد المعد له. ولأنه لا يفكر لا يرى ضيرا في اختيار هذه الماركة او تلك من الحبوب لافطاره مادام السعر مناسبا والاعلان يؤكد بأن الحبوب السمراء افضل للجهاز الهضمي من غيرها. ويتأهب لركوب السيارة للذهاب الى العمل وهو يفكر في الاعلان الطريف عن اخر موديلات البي ام او التويوتا وخلف مقودها شاب تبدو عليه امارات النعمة والى جواره فاتنة تنظر اليه بهيام يفوق هيام مارلين مونرو بالرئيس جون كينيدي. وتلتقط اذنه جانبا من حديث اذاعي يسمعه بنصف انتباه يقول بأن النظام الرأسمالي يتعرض لعثرة ولكنه سوف ينهض من جديد لأنه هو الافضل والدليل على ذلك ان افضل العقول لم تهتد بعد الى نظام بديل.

يذهب صاحبنا الى عمله وينظر الى الصحف ويقرأ بعض التقارير لعله يصل الى حالة فهم لما يجري. ولكن كاميرا الاكشن لا تكل ولا تمل. ومع اول رنة هاتف ودعوة الى اجتماع عمل يؤجل التفكير في الحبوب والسيارات وحالة الاقتصاد الى اشعار اخر.