صوتوا لـ (...)

TT

سأصف لكم ما يتبادر إلى ذهني عشية الانتخابات: لا أستطيع تذكر حملة انتخابية انعزلت عن التحديات الحقيقية التي ستواجه الفائز في اليوم التالي، فعندما بدأت تلك الحملات الانتخابية منذ عامين، كانت القضية الرئيسية كيف وإلى متى سنظل نقوم ببناء الدولة في العراق، وعندما أوشكت الحملات على الانتهاء تحولت القضية الرئيسة إلى كيف، وما هي التضحية التي يمكن أن نقدمها لكي نقوم ببناء أميركا.

ولسوء الحظ، فقد علمتم ذلك من خلال المناظرات الرئاسية، فمشاهدتها أثناء الأزمة المالية التي عصفت بالنظام المالي كانت كمشاهدة مسابقة تلفزيونية، المتباريان فيها محبوسان داخل كابينة منعزلة الصوت ثم يخرجان للتعامل مع الجمهور دون أن يطلعا على أي شيء عن السياق.

ومنذ المناظرة الأخيرة، كشف جون ماكين وباراك أوباما عن خطط لاستعادة النظام المالي لعافيته، لكنهما دأبا على الاعتقاد بأن تلك الخطط سوف تكون خالية من الألم إلى حد بعيد، وأشار ماكين إلى أن اللجوء إلى خفض الضرائب سوف يعمل على إنقاذ الموقف، بينما قال أوباما إنه يجب على الأغنياء مساعدتنا على الخروج من هذه الأزمة، وللأسف فكلا الحلين خاطئ.

الحقيقة أننا كلنا سوف نضطر إلى الانفاق، لأن هذه الأزمة تأتي في سياق ما يمكن أن يكون «أكبر تحويل للثروات منذ الثورة البلشفية في روسيا عام 1917» على حد قول مايكل مانولبالوم مؤلف كتاب «الاسم الجيد للديمقراطية» ويضيف إنه «ليس انتقال الثروة من الأغنياء إلى الفقراء، هو الذي يمكن أن يخلد إدارة بوش في أذهاننا، لكنه انتقال للثروة من المستقبل إلى الحاضر».

فلم ينفق أي جيل ذلك القدر الهائل من ثروات أبنائه في مثل هذا الوقت القصير دون نتائج حاسمة كما فعلت إدارة بوش خلال فترة حكمها، ففي ظل إدارة بوش سوف تتحمّل الأجيال القادمة عبئًا ماليًا ضخمًا من أجل تمويل خفض الضرائب الحالية والحروب وخطة الإنقاذ التي قدموها الآن. ومجرد دفع تلك الديون سوف يتطلب تضحيات كبرى، لكن عندما تضيف الدمار الذي لحق بالثروة والذي حدث في الأسواق خلال الشهرين الماضيين والحاجة إلى مزيد من الإنقاذ سوف تدرك أن ذلك الإنقاذ لن يكون غير مؤلم.

لقد تركنا فريق إدارة بوش ونحن نحمل على كاهلنا دينا آخر إلى كوكب الأرض، فقد أضفنا أطنانًا من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي خلال السنوات الثماني الأخيرة دون التحرك لتخفيف معاناة كوكب الأرض، ونتيجة لذلك تتطلب محاولة إعاقة التراجع الكبير في التغير المناخي إلى تغيرات كبرى واستثمارات ضخمة في كيفية استغلال الطاقة.

ونظرًا لأنه غير مسموح لكاتبي الأعمدة في التايمز تأييد أحد المرشحين «بصورة رسمية»، وكما أن سياق الحملة الانتخابية قد تغير بشكل كبير في المواقف السياسة التي ابتدأ بها المرشحون حملاتهم الانتخابية فكل ما يمكنني الإشارة إليه هنا هو أن تمنحوا أصواتكم للمرشح الذي يتمتع بالسمات التالية:

أولاً: نحن في حاجة إلى رئيس يجيد الحديث وتحليل القضايا الهامة حتى يتمكن الأميركيون من القيام بخيارات صحيحة، فقد دفعنا ثمنًا باهظًا بسبب رئيس لا يستطيع أن يفسر لنا أو أن يعيد طمأنتنا خلال الأزمة المالية، وقد أهدرنا الكثير من الوقت في الادعاء أن بإمكاننا معاقبة وول ستريت دون أن نعاقب مان ستريت ـ بينما هما في الحقيقة مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا.

وقد فشل صندوق الاحتياط الرئيسي في سبتمبر لأن الفوائد الزائدة الذي قدمها لعملائه جاءت ـ بصورة جزئية ـ من الأموال والسندات التجارية لبنك ليمان التي بلغت 785 مليون دولار والذي كان يحتفظ به الصندوق، وعندما طلب المودعون من أعضاء الكونغرس أن يتركوا بنك ليمان يسقط اكتشفوا أن سوقهم المالي سوف تتجمد. كلا نحن لسنا في حاجة إلى رئيس يدافع عن الجشع في وول ستريت، لكننا في حاجة إلى رئيس يقول لنا إننا نقبع كلنا على متن قارب واحد وأن تصدع في أحد جوانبه يمكن أن يؤدي إلى غرق الجميع، وأنه في الوقت الذي يجب أن نقوم فيه بالتشريع الملائم لا نريد أن نقتل المغامرة والجوائز التي ترتبط بها والتي تعد ضرورة لنمو اقتصادنا.

الأمر الثاني هو أننا في حاجة إلى رئيس يستطيع أن يلهم ويلهب حماسة الأميركيين وأن يوحد البلاد خلال فترة النقاهة العصيبة تلك، ويجب أن نتجاوز تلك الأزمة المالية في الوقت الذي يصل فيه الأميركيون الذين ولدوا في فترة ما بعد العالمية الثانية إلى سن التقاعد، وهم في حاجة إلى ضمانهم الاجتماعي وبالتالي إلى الرعاية الصحية، وهذا ما يستلزم أن ندفع أكثر للحكومة ونحصل على أقل حتى نخرج من هذا المأزق.

ثالثًا: نحن في حاجة إلى رئيس يمكنه أن يحشد العالم الخارجي إلى مساندتنا، ولن يمكننا الخروج من تلك الهوة ما لم تقم الصين بزيادة الاستهلاك وما لم تبق أوروبا على معدلات الفائدة منخفضة. فالجميع في ذات القارب والكل يتطلع إلى أميركا لتولي القيادة.

خلاصة القول، من فضلكم لا تصوتوا لذلك المرشح الذي قد ترغبون في تناول قدح من الجعة معه، ولكن صوتوا للذي ترونه إلى جانبكم عندما تطلبون من مدير المصرف مد الرهن العقاري.

صوتوا لصالح المرشح الذي تعتقدون أن لديه القدرة الملهمة على توحيد البلاد وقيادة السفينة عبر واحدة من أخطر الأزمات التي شهدها جيلنا، وعندئذ سوف يشكركم أبناؤكم.

* خدمة «نيويورك تايمز»