كنت تغني؟.. إذن ارقص الآن

TT

ربما أنبأت جنابكم بهذا من قبل: ان الأكثرية الساحقة من الذين يسألون، ماذا يفعلون لو قدرت لهم الحياة من جديد، ويجيبون أنهم لا يغيرون شيئاً. بالكاد المعصوم له هذه الثقة بالنفس. أما صاحبكم فكلما مرَّت الأيام، زادت نسبة التغيير لديه. والنسبة الآن في مرحلة خطيرة. كأن تقول 95% «حسم». فلو قدرت مثل هذه الحياة لأعلنت ندمي، قبل أي شيء، على ما أضعت من وقت. لا يفوق ندمي على الوقت إلا ندمي على بعض من فاتني أعرف وبعض من عرفت. لا مرارة مثل المرارة بضياع الوقت. ومنذ سنوات وأنا أعمل حوالي 12 ساعة في اليوم على الأقل ولكنني أشعر أنني في حاجة إلى 12 ساعة أخرى لكي أعوض شيئاً من إهدار النعمة التي أسبغت عليّ: الوقت.

لو عرفت قدر الوقت لكنت أفضل مما أنا اليوم، كأب وكاتب وذي مسؤوليات. ولو لم أجهل معنى الوقت لكنت قد ساعدت بعض من حولي أكثر بكثير مما استطعت أن أخفف عنهم. ولو عملت ساعة إضافية وخفضت ساعة إضافية من بدد الوقت، لكنت اليوم أقل قلقا وأكثر اطمئنانا، ولو أن الطمأنينة الكلية غاية لا تدرك. لا نفع في الندم، لكن أيضاً لا مكابرة عليه. دائماً أقول لابني أضف 10% على كل ما تفعل. حتى لو كنت تكتب اسمك، أعد كتابته مرة أخرى. هذا ما لم افعله انا. الجهل بالوقت جهل بالحياة وكفر بالعطاء. وكما يحاكم البعض «بتحقير المحكمة» لأنهم رفضوا مساعدتها، يجب ان نحاكم أنفسنا بتهمة الإهمال الكبير واللهو المرادف للغو.

أشعر أنني مثل لافونتين الذي كتب أجمل وأشهر قصائده «الصرار والنملة» مستوحياً من تجربته مع الضياع والبدد. تذكرون طبعاً القصيدة: «بعدما أمضى الصرار الصيف كله يغني، وجد نفسه أول الشتاء مملقاً ما لديه ذبابة صغيرة أو دودة حقيرة، فأخذ يشكو جوعه إلى جارته النملة، سائلاً أن تقرضه شيئاً من الحبوب يعيش بها حتى يحل الموسم المقبل. قال لها: سوف أفي الدين قبل الحصاد، وأقسم على ذلك بمبدأ الحيوان ومعتقده. على أن النملة لم تكن ممن يقرضون، وهذا أقل عيوبها، فقالت للصرار، وماذا كنت تفعل في الصيف، فأجاب، كنت أغني لكل من يسمع لكي أطربه، فقالت النملة، كنت تغني إذن، حسنا ما عليك الآن سوى أن ترقص».

الذين يجيبون على السؤال الذكي ببلادة قائلين إنهم لن يغيروا في حياتهم شيئاً، مبروك عليهم الحفل الراقص. أنا ما زلت أحاول أن أبعد عن وجهي بدد لافونتين.