الجزائر.. النكسة الثانية

TT

في الوقت الذي أمسى فيه العالم، المعني بالسياسة، وغير المعني، متحفزا أمام شاشات التلفزة ليشاهد عملية انتخاب الرئيس الأميركي الجديد في مشهد يشبه نهائيات كأس العالم لكرة القدم، كانت الجزائر تسير في اتجاه آخر، نقيض للمشهد الانتخابي الأميركي.

فقد أقر مجلس الوزراء الجزائري يوم الاثنين الماضي النقاط الخمس المقترحة للتعديل الدستوري الجديد، والذي من أبرز نقاطه إنهاء تقييد فترة ولاية الرئيس، وجعلها غير محددة، مما يعني أن الرئيس الجزائري قد يكون رئيسا مدى الحياة.

ورغم ما نقرأه من بعض مثقفينا العرب الذين ما فتئوا يحاضروننا عن الانتخابات الأميركية، والتشكيك فيها على اعتبار أنها ديموقراطية مزيفة، كما يقولون، إلا أننا لم نلحظ مجرد تعجب أو تساؤل من الكثيرين تجاه ما حدث ويحدث من نكسة ديموقراطية في الجزائر.

الجزائريون أدرى بمصلحتهم، لكن ما نعرفه كمتابعين هو أن ما يحدث في الجزائر اليوم يعد النكسة الثانية بعد الاستعجال الذي حدث في انطلاق العملية الديموقراطية في انتخابات عام 1991 والتي وصلت على أثرها جبهة الإنقاذ الإسلامية. وسرعان ما ألغيت نتائج تلك الانتخابات، وقيل يومها إن إلغاء الانتخابات كان بسبب إعلان جبهة الإنقاذ الإسلامية أنها لن تواصل سباق التتابع الديموقراطي وتسلم السلطة في حال خسرت الانتخابات التالية لغيرها.

إثر ذلك دخلت الجزائر في نفق مظلم من أعمال العنف التي عصفت بالبلاد، وكبدتها خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وقبل هذا وذاك كلفت الجزائر والجزائريين الاستقرار السياسي، وما زالت آثار تلك الأعمال الإرهابية شاخصة للأعين في الجزائر.

واليوم ومع التعديل الدستوري المقترح والذي يلغي إصلاحات استحدثها رئيس عسكري، قيد صلاحياته ومميزاته على عكس طبيعة العسكر، تأتي حكومة مدنية جزائرية لتطلق يد الرئيس، وتفتح له آفاق الاستمرار في الحكم مدى الحياة، مما قد يدخل الجزائر في نفق مظلم آخر طويل لا يعلم إلا الله وحده كم سيكلف الجزائر والجزائريين.

للأسف الشديد أن التعديلات المقترحة على الدستور الجزائري ستكون بمثابة صب الزيت على النار، وقد تطيل أمد أعمال العنف وعدم الاستقرار، وإن حدث ذلك فسيكون أمرا محزنا لا نتمناه للجزائر والجزائريين، حيث أنه سيعد نكسة حقيقية.

طبيعة العمل السياسي، وتحديدا بناء الدول، يتسم بالتراكمية، ويبنى على ما سبق، من أجل المضي بالدولة والمواطن للأمام، وما طرح من تعديلات دستورية في الجزائر مؤشر على المضي بالدولة والمواطن إلى الخلف والعودة بالأزمة السياسية الجزائرية إلى المربع الأول.

فالتعديل الدستوري لا يصب في خانة دفع الجزائر إلى الاستقرار السياسي، ونزع فتيل العنف بلا رجعة، بل إن من شأنه أن يذكي نار العنف مجددا، ويمنح مشروعية للطعن في النظام السياسي، وهذا ما يسعى المعارضون والمتطرفون لفعله في الجزائر.

طالما أن عددا من الدول العربية ارتضت لنفسها النظام الجمهوري، وادعت التمسك بالعملية الديموقراطية، وأعلنت قبولها بصناديق الاقتراع، فمن باب أولى أن تحترم الدساتير بدلا من تفصيلها على المقاس، وتحترم القوانين التي تؤطر تلك العملية السياسية.

[email protected]