خسارة نجاد في يوم الانتخابات

TT

كنا نتفرج غربا عندما جاءنا التغيير من ايران شرقا. فقد فاجأ الايرانيون الجميع عندما أقالوا وزير داخليتهم علي كوردان الذي ادعى انه يحمل شهادة دكتوراه. لقد كانت خطوة جريئة ولها دلالاتها. أقالوه بسبب شهادة مزورة اتضح لاحقا أنها فخرية ومزورة أيضا، أراد استخدامها لتضخيم قيمته الاجتماعية والسياسية. ومن جرأته لم يكتف بالتزوير بل نسبها الى واحدة من أعرق الجامعات العالمية، أوكسفورد، التي لسوء حظه، سارعت بنفي منحه الشهادة. ولو زعم انها جاءته بالبريد من جامعة في كوريا الشمالية او جامعة عربية ربما استمر دكتورا ووزيرا حتى هذا اليوم.

ولا بد أن النواب الايرانيين كانوا يريدون الخلاص منه، وجاءت الشهادة هدية إلهية فأقالوه سريعا حيث صوت مع طرده اكثر من نصف البرلمان. فهم يعلمون ان الوزير يستحق أن يقال لأسباب أكثر أهمية، وخطورة، بسبب ممارسات أمنية سيئة، لكن لسوء حظه أسقط في أقل القضايا شأنا ورفض النواب ان يمنحوه فرصة لإكمال عمله بما تبقى للحكومة من عمر، وهو ثمانية اشهر.

وما أكثرهم في عالمنا الذين يحملون شهادات مزورة او مرقعة سعوا اليها، كما فعل الوزير الايراني من اجل الحصول على مكانة سياسية ووظيفية. ولا تزال قصة اللهاث وراء الشهادات سرا من أسرار النفسية العربية، والعالم ثالثية. وربما لا يلام طلاب الشهادات إن زوروا لأن النظام الوظيفي هو الذي يدفع الطامحين للمناصب والمراتب المالية الى الحصول عليها. السبب انك اذا جئت متقدما لوظيفة حاملا شهادة بكالوريوس ستحصل على مرتب أقل كثيرا، ولو جئت متأبطا شهادة دكتوراه، حتى لو كانت من جامعة في آخر مجاهل العالم، ستمنح مرتبة ومرتبا أعلى. لأنك صاحب شهادة عالية فقط ستكرم ماديا ومكانة دونما اعتبار لقيمة معارفك وقدراتك الحقيقية، أمر شائع في النظام التوظيفي الحكومي الذي يقيمك ويمنحك الترقية وفق شهادتك وعمرك الوظيفي مهما كنت بليدا. هذا السبب وحده دفع الكثيرين الى طلب العلم في أقاصي العالم، ودفع بعضهم الى امتلاكها بالمال، او المراسلة، او التزوير الصريح، كما فعل الوزير الايراني.

الشهادات العلمية يفترض ان تكون مجرد مرشد على قدراتك، والتي يفترض ان تمتحن بعد العمل. فحتى حامل الدكتوراه قد لا يكون الرجل الأصلح دائما، حتى لو جاء من ارقى الجامعات الدولية. في مهنتنا، في الإعلام، سطع فيها نجوم لم يكملوا شهادات التعليم الثانوي، بدليل أن الاعلام الخاص، بخلاف المؤسسات الحكومية، يمنح ثقته في من يستطيع ان يبدع وينتج، لا من يزين جدرانه بالشهادات. وربما يجوز هذا الطرح في المجالين السياسي والاقتصادي لكن لا أدعي ان هذه هي القاعدة في كل المهن، خاصة في المجالات الدقيقة مثل الهندسة والطب حيث لا خيار من الاتكاء على الدرجة.

البرلمان الايراني أعطى دليلا على انه هذه المرة يملك أسنانا لا مجرد برلمان ديكور فوجّه ضربة للرئيس نجاد في وقت العالم كان ينتظر التغيير في اقصى الغرب، في واشنطن.

[email protected]