دور السعودية في خدمة السلام العالمي

TT

مؤتمر الحوار بين الأديان والثقافات الذي سيعقد قريبا في الولايات المتحدة، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، حدث بالغ الأهمية، حضاريا وسياسيا، إسلاميا ودوليا، لا سيما انه يأتي في ظروف سياسية واقتصادية عالمية مشحونة بالأزمات، ومهددة باستعار وامتداد الحرائق المشتعلة في اكثر من بقعة من العالم.

ومما يزيد في أهمية هذا المؤتمر صدور بادرته عن المملكة العربية السعودية، حامية الحرمين الشريفين، والدولة الإسلامية بامتياز، وفي هذا الوقت بالذات، أي في الوقت الذي نجح فيه المتطرفون الاسلاميون والاصوليون الانجيليون الاميركيون، في تصوير ـ ولا نقول تحويل ـ الحرب على الإرهاب، الى حرب بين الغرب والمسلمين.

بطبيعة الحال لن يتمكن هذا المؤتمر من محو مئات السنين من الحروب والنزاعات بين الدول الغربية (المسيحية) والشعوب العربية والإسلامية. ومحو كل آثار ورواسب الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وليس من اهدافه، القريبة او البعيدة إزالة الفروقات العقائدية بين الاديان ولا دمج الحضارات ببعضها. ولكنه سيضع اللبنة الاولى في تلاقي وتحاور ممثلي الاديان والحضارات، ويخفف من اجواء سوء التفاهم والتضاد بينها، والخصومة بين اتباعها.

«الإنسان عدو لما يجهل».. إنه مثل قديم. ولعل من اهم اسباب سوء التفاهم والنفور والعداء، بين مسلمي الشرق ومسيحيي الغرب، جهل أحدهما بالآخر. وإذا كان لعملية 11 سبتمبر الارهابية من «حسنة»، فهي في انها جندت آلاف الباحثين والمفكرين في الولايات المتحدة وأوروبا، لدراسة الاسلام، كعقيدة وكتاريخ وحضارة، وتعريفه على ملايين الناس في الغرب، بواسطة الكتب التي وضعوها والدراسات والمقالات التي كتبوها. حتى لو لم تكن كلها عالية المستوى وعلمية المنحى. فبعد موجة الغضب الكبير على العرب والمسلمين، الذي أثارته عملية 11 سبتمبر، وغيرها من العمليات الارهابية، نشأت اليوم عند الشعوب الغربية رغبة في تفهم أسباب النقمة العربية والإسلامية على الغرب، وفي محاسبة نفسها، وربما تغيير نظرتها، وبالتالي سياستها الدولية، وانها لفسحة في سماء العلاقات العربية ـ الاسلامية، بالغرب وبالعالم، من شأن مؤتمر الحوار بين الاديان والحضارات، ان يزيدها اتساعا وشفافية.

ولا بد، ايضا، من التوقف عند البادرة السعودية الأخرى حول السلام في الشرق الاوسط التي أقرتها قمة بيروت، لا سيما بعد ان صدرت عن مسؤولين اسرائيليين كبار تصريحات بقبول مبدئي لها، بعد صمت سنوات. قد تكون هذه التصريحات مناورة جديدة من قبل المسؤولين الاسرائيليين، لتعطيل او تأخير خطة السلام الرباعية، والتهرب من الإلحاح الاميركي ـ الاوروبي المتجدد بشأنها. وقد تكون نتيجة اقتناعهم أن السلام انما يمر بقبول هذه المبادرة. ولكن، ايا كان الاتجاه الجديد الذي سيأخذه طريق السلام في الشرق الاوسط، فان التاريخ سوف يذكر للسعودية فضل بادرتها في رسمه.

ومن حق المملكة العربية السعودية، وعاهلها الملك عبد الله، على الأمتين العربية والاسلامية، وعلى المجتمع الدولي، ان تقدر هاتين البادرتين، وغيرها من البادرات الايجابية، التي تصب في خدمة السلام الاقليمي والعالمي، وفي خدمة الاسلام والمسلمين، والعرب والعروبة. ذلك ان الطريق الآخر الذي اختاره المتطرفون الاسلامويون الارهابيون، انما هو مناقض للإسلام ومبادئه الوسطية السمحة، ومثير للفتنة في المجتمعات العربية والإسلامية، ومستجلب لعداوة كل دول وشعوب العالم للإسلام والمسلمين.

إن تحويل قضية الشعب الفلسطيني العادلة، إلى نزاع عربي ـ إسرائيلي، ثم إلى نزاع إسلامي ـ غربي، ثم الى صدام بين الحضارات، ليس في مصلحة الفلسطينيين ولا العرب ولا المسلمين. والدليل هو أن إسرائيل كانت هي التي تستفيد من كل تحول، وكان العرب والفلسطينيون هم الذين يدفعون الثمن. هذا لا ينفي عن إسرائيل جريمة اغتصابها للأرض العربية الفلسطينية ولا تشريدها للشعب الفلسطيني، ولا يشكل عذرا للدول الغربية ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة ـ التي ساعدتها في ارتكاب جريمتها المتمادية. ولكن العالم عام 2008، هو غيره عام 1948، والرأي العام العالمي بالنسبة لإسرائيل قد تغير، والعالمين العربي والإسلامي يملكان من القدرات والإمكانات السياسية والمالية والاعلامية، ما يؤهلهما لحل القضية الفلسطينية وإنصاف الشعب الفلسطيني، بطرق عدة، غير الطرق التي اوصلتها الى حيث اوصلتها، ولا سيما الطريق الذي يتحدث عنه الرئيس الإيراني احمدي نجاد وغيره من الحالمين بتصفية الحسابات مع الغرب... بالصواريخ والقنابل النووية والسيارات المفخخة.

في هذا المؤتمر الدولي للحوار بين الاديان والحضارات، يمد العرب والمسلمون يدهم، صراحة، الى كل شعوب العالم. وهذه المصافحة ليست سوى خطوة اولى لا بد ان تتبعها خطوات. واذا كانت المملكة العربية السعودية هي التي قامت بها، فليس هذا بالجديد عليها. فلقد دأبت على خدمة القضية الفلسطينية وكل القضايا والشعوب العربية والاسلامية، من دون طلب أو منة وعند الحاجة، ومنذ عقود. وسيكون لهذه الخطوة، لا سيما اذا اقترنت بنجاح المبادرة العربية، في إحلال السلام في الشرق الاوسط، عنوان كبير في سجل التفاهم والتلاقي بين الشعوب والدول والحضارات، وتاريخ الانسانية.