«نعم.. هناك حلم أميركي»

TT

وكأن المستحيل بات حقيقة، فالحلم الأميركي عاشه العالم بأسره امس.

كلمات الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما للمحتفلين وتأكيده على أنهم يصنعون التاريخ تبدو بعيدة عن المبالغة. فرغم واقعية خطاب الفوز الذي ألقاه أوباما، فقد حمل فوزه ودموع أنصاره والإقبال غير المسبوق على الاقتراع الكثير من الرومانسية التي من المحال أن لا نلمسها ونحن نرى بأم العين حقيقة وصول حفيد مهاجرين أفارقة إلى موقع كان من المحرمات في الولايات المتحدة قبل عقود قليلة.

إنه تغيير كوني أيضاً تتجاوز حدود نتائجه قيادة البلد الأشد تأثيراً في العالم..

ليس أقل دلالة هذا الكم من الحملات الدعائية والإعلامية التي سبقت الحدث منذ أكثر من عام، وهي تعد الأكثر كلفة في التاريخ. أما التغطية الإعلامية التي رافقت الانتخابات فتعاملت مع الحدث الأميركي بصفته حدثاً كونياً بالدرجة الأولى وهو كان كذلك فعلا حتى كان الحدث الأوحد تقريباً في معظم التغطيات العالمية.

معظم وسائل الإعلام العربية تعاملت مع الحدث من زاوية تأثيره على واقع المنطقة ومستقبلها في ملفات أساسية وهامة: العراق، فلسطين، لبنان والحرب على الإرهاب، وقبل ذلك الأزمة المالية العالمية. لكن ورغم الإمكانات والمتابعات الهامة لعدد من القنوات ووسائل الإعلام العربية لم تسلم تغطيات عدة من الانزلاق في أحيان متعددة إلى فخ تصغير الحدث وحشره في زوايا إقليمية ومناطقية ضيقة، من دون التركيز على العنوان الأكبر وهو المشهد الديمقراطي الهام الذي حدث في بلد اعتقد كثيرون أنه سيبقى أسير عنصرية بغيضة تجاه المهاجرين الأفارقة والملونين.

لا شك أن أميركا كانت أسيرة سياسات خرقاء في المرحلة الماضية شابها الكثير من التركيز على المصالح العارية من القيم والضعيفة أخلاقياً تحت مظلة آيديولوجية ساذجة.

لكن اليوم وبمعزل عن شخص أوباما فإن فوزه أتى بمثابة تجسيد آمال الملايين الساعين إلى الخلاص من لعنة سياسات الإدارة الحالية والطامحين إلى تغيير يطوي صفحة الحروب والأزمات التي خطت تاريخنا القريب وباتت عنوانها الوحيد.

عومل حدث الانتخابات الرئاسية الأميركية في صحافتنا العربية من زوايا شديدة الضيق، فتارة طرحت مسألة فوز أوباما بصفته فوزاً لخيارات «الممانعة» ممثلة بإيران وسوريا وحماس وحزب الله، وطوراً بصفته انبعاثاً لأميركا مختلفة مع قضايانا. لم ننتبه إلى حقيقة أخرى تتمثل في أن فوز أوباما هو حدث داخلي أميركي هائل، وإذا كان صحيحاً أن أميركا هي أميركا في علاقتها بقضايانا فإن هذا الانتصار لقيمها هو انتصار أيضاً على القيم المضادة التي مثلها جورج بوش، وهنا مكمن المفارقة الأميركية البالغة الأهمية. وعلى قدر مشابهة البوشية «لممانعتنا» سيكون انتصار أوباما عليها انتصاراً أيضاً على «بوشيتنا» نحن.

diana@ asharqalawsat.com