مسيرة الحقيقة

TT

يذكرني باراك أوباما بمحمد علي كلاي. عندما رأيت السود يصفقون في شيكاغو تذكرت الفرح الذي كان يرتسم على وجوههم عندما يشاهدون «علي»، وكيف يهتفون وكيف يصرخون وكيف يقتربون منه، رائين فيه المحرر، البطل الذي خرج من الأكواخ وسهول المسيسبي ومزارع القطن كي ينتصر ويلقن خصمه الدرس بالضربة القاضية.

كان سود أميركا يبحثون عن أي مثال يخرجهم من عزلتهم وعبوديتهم ومنفاهم الداخلي. أي ناجح يفتح أمامهم الأبواب الموصدة والعقول المغلقة بأقفال من حقد. كانوا يكرهون عالم الرجل الأبيض ويطلبونه ويحلمون بيوم يصبحون جزءا منه بدل أن يظلوا منبوذين على أبوابه.

كم هو مذهل حجم الحلم الذي حققه باراك أوباما. وكم هو لا يصدق. وكم يبدو فصلا من غنائية وضعها والت ديزني، كمثل «سندريللا»، وحذائها السحري أو «الجميلة والوحش». وحدها الفانتازيا والرسوم المتحركة قادرة على أن تغير قباحات الطبع البشري ومكارهه وشغفه بالسطوة والظلم والاستعباد.

لم تعرف الغابة شيئا اسمه العبودية. لم تبن الوحوش سجونا لغيرها. لم تفصل الغابة أهلها إلى ألوان وأعراق. لم يستغل كائن الغابة كائنا آخر. لم يخدع. ولم يكره. المجتمع الاميركي كان مثالا على ما يمكن أن يبلغ الإنسان من تقدم، وعلى مدى ما يمكن أن يذهب إليه من وحشية. مجتمع يمول رحلة الفضاء وازدهار الفكر والفنون والعلوم، ويمول أيضا حرب فيتنام أو حرب العراق أو حروب إسرائيل وترساناتها وغواصاتها النووية.

وصول أوباما هو ذروة التناقض التاريخي في نسيج المجتمع الذي قام على التعدد والعنصرية معا. على القانون والجريمة المنظمة. على إسقاط رئيس لأنه كذب والتمنع عن سجن زعماء المافيا المعروفين للجميع. يا لها من بداية مذهلة لمتغيرات القرن بعد ثماني سنوات من تكلس جورج بوش وظلام إدارته وفظاظة رجاله.

لا نريد أن نأمل كثيرا ولا أن نحلم كثيرا. فالولايات المتحدة بلد معقد بقدر ما هو بسيط. وقد فاز أوباما بسباق الحواجز لكن لا يزال أمامه مباراة المبارزة. لقد انتصر من الخارج وسوف يبدأ الآن معركته من الداخل. لقد تحقق الحلم وبدأت مسيرة الحقيقة.