تغيّر المناخ يغيّر الأرض والعالم

TT

أيهما سيكون وقعه أسوأ: الانهيار المالي أم الانهيار المناخي، ذلك ان ارتفاع حرارة الطقس صار الخطر الأكبر على العالم وعلى البشرية، فهو وصل الى نقطة لم يعد بمقدور احد تغييرها، وصل الى نقطة اللاعودة. فكمية ثاني اوكسيد الكربون في الجو مرتفعة جداً، وهي الأكثر ارتفاعاً منذ عصر ما قبل الديناصورات، مع العلم ان البشر على هذا الكوكب هم منذ فترة زمنية قصيرة نسبياً مقارنة بقِدم العالم، استطاعوا تغيير المناخ.

وكان تقرير علمي صدر في نهاية الشهر الماضي حمّل الانسان مسؤولية ارتفاع الحرارة في القطبين المتجمدين، وأكد ان ارتفاع الحرارة وذوبان الثلوج يؤديان الى ارتفاع نسبة مياه المحيطات والبحار وتدمير الحياة البيئية والمائية. ويتخوف بعض العلماء من احتمال ارتفاع الحرارة درجتين لأنه يعني غرق بنغلاديش وجزر جنوب المحيط الهادئ. لكن هل وصلنا الى هذه النسبة؟ يقول الدكتور جيفري فاين طبيب الصحة المتابع للشؤون العلمية المتعلقة بالبيئة والمناخ: «لم نصل بعد الى زيادة الدرجتين في الحرارة. لكن عندما ترتفع الحرارة تذوب المياه وتغطي العديد من الدول غير المرتفعة عن سطح المياه. ان المناطق الساحلية في العالم ستتغير خلال المائة سنة المقبلة لأن نسبة ارتفاع المياه ستزداد».

يدعو العلماء، القلقون على وضع الارض وارتفاع الحرارة، الى ضرورة وقف البناء على السواحل، وإيقاف ضخ ثاني اوكسيد الكربون في الهواء. وهذا امر معقد، لأن الانسان ليس بالمسؤول الوحيد عن هذا الأمر، فهناك الحيوانات التي اثناء هضمها لغذائها تفرز الغازات السامة في الهواء.

قبل انصباب الاهتمام العالمي على الانهيار المالي، صدر تحذير من العلماء بأن الثلوج في القطب الشمالي في حالة ذوبان، وصارت طبقة الثلوج رقيقة جداً الى درجة ان الممرات في الشمال الغربي منه وتلك في الشمال الشرقي انفتحت، بمعنى انه صار يمكن الابحار من انجلترا مثلاً الى ألاسكا عبر القطب، او الى روسيا او الى اليابان، فممرات الشمال الشرقي والشمال الغربي ذابت. لكن، حسب الدكتور جيفري فاين، هذا يعني ان نسبة المياه ارتفعت مع توفر فرصة التجارة مع ما بعد القطب «وسيبدأ الصراع بين الدول حول من يملك النفط والغاز والثروات في القطب، وقد نكون متجهين الى فترة جديدة في التنقيب عن النفط والى المزيد من الاضرار في البيئة».

إذا ذابت ثلوج القطب، وتجاوزنا الدرجتين ارتفاعاً في الحرارة فهذا يعني ذوبان الثلوج كلها في العالم، عندها يتوقف انعكاس ثلث اشعة الشمس ثانية الى الفضاء مما يجعل الارض اكثر حرارة. يقول فاين: «ان الثلج يعكس الحرارة البنفسجية ثانية الى الفضاء، اذا ذابت فان هذه الحرارة تنصب على الارض فتزيدها حرارة ولن يكون بمقدار الناس ان يعيشوا في عدة مناطق من العالم وستحدث الهجرة... ويضيف: «ومع ارتفاع حرارة المناخ قد تحترق غابات الامازون ويتسرب الى الفضاء ثاني اوكسيد الكربون. النباتات الخضراء تمتص ثاني اوكسيد الكربون وتفرز مكانها الاوكسجين، وكلما نقُصت النباتات الخضراء ازدادت مشاكل الارض».

ويلفت الدكتور فاين الى الوضع في دول الخليج العربي حيث الخضرة غير متوفرة بشكل طبيعي والبناء في ازدياد، واستعمال المياه النقية للمحافظة على الخضرة كثير، كذلك الامر في استعمال الطاقة ومكيفات الهواء للتغلب على الحرارة: «انهم يدورون في حلقة مفرغة وهناك خطورة من ارتفاع منسوب المياه على الجزر التي يبنونها في البحر».

ان اغلب العالم يعيش على السواحل، في اميركا واوروبا الغربية وآسيا مثل سنغافورة، اذا ازداد الوضع سوءاً خلال المائة عام المقبلة، فان كل هذه المدن الساحلية ستختفي.

لكن اي نوع من القوانين والانظمة يمكن فرضها للحد من التدهور المناخي؟ يوضح فاين: «يقول البعض انه مضيعة للوقت، فمهما وضعنا من قوانين وانظمة فلن يتغير شيء، لقد قطعنا نقطة اللاعودة، وكل خطط الحكومات الانقاذية ومواقف الناس لن تفيد. لقد اُغلقت الابواب وتأخر الوقت، الامل فقط في عدم تجاوز ما وصلنا اليه وايقاف مصادر ثاني اوكسيد الكربون».

اللافت ان ايقاف ثاني وكسيد الكربون مكلف، ومن اين ستأتي الحكومات بالاموال لانقاذ البيئة والمناخ؟ يقول: «يجب على الناس، عبر مواقفهم وتصرفاتهم التفكير على المدى البعيد. السياسيون يفكرون على المدى القصير، العلماء يرون الصورة الأكبر لكن لا سلطة لهم مثل السياسيين وهؤلاء قد يُقدمون على التغيير عندما يتطور خوف الناس، لأن اضطرابات قد تحدث في العديد من الدول التي ستتأثر اولاً، مثلاً في بنغلاديش، الى اين سيذهب السكان؟ الى الهند؟ وماذا سيحصل هناك بالتالي؟»

وهل العلماء دائماً على حق؟ كلا، يجيب فاين، لكن في ما يخص حرارة المناخ فان كل العلماء متفقون، قلة بسيطة منهم لا توافق، وهناك بعض التقارير التي تشير الى ان بعض الشركات تلجأ الى معطيات (Data) غير حقيقية، لتقول ان هذا لا يحدث، لكن حتى اميركا صارت مقتنعة بحدوث التغيير المناخي.

ومع التغيير في المناخ سيشهد العالم انواعاً جديدة من الامراض، ولوحظت زيادة في الاصابة بمرض الملاريا، ثم ان نقص المياه والغذاء سيؤدي الى الامراض.

في التقارير العلمية التي تحذر من التغيير في المناخ، ورد تحذير من ان العصر الجليدي كان ست درجات ابرد من اليوم. ويشرح فاين قائلاً: «ان التغيير في المناخ يحدث بسرعة فائقة، واذا ارتفع منسوب المياه في شمال الاطلسي بسبب ذوبان الثلوج فانه يمكن ان يُغلق مجرى المياه الذي ينقل المياه الدافئة من منطقة الكارايبي الى اوروبا الشمالية، عندها فان دول اوروبا الشمالية تعود الى العصر الجليدي، الى مرحلة باردة جداً، وقد يحدث هذا خلال عقد من الزمن». ويضيف: «يعتقد الناس بأن العصر الجليدي منذ آلاف السنين هذا ليس صحيحاً، اذ مرت الكثير من المراحل الجليدية على الارض. اما لماذا ستعود اوروبا الى العصر الجليدي في حال ارتفعت نسبة الحرارة، فلأن خط العرض الذي تقع عليه اوروبا الشمالية هو الخط نفسه لشمال كندا، ثم ان المياه الدافئة هي التي تبقي المناخ دافئاً».

التطورات المناخية تحدث على دورات، ويمكن في نهاية فترة ارتفاع الحرارة مجيء فترة باردة، ولدى الارض آلية لإعادة توازنها، وهي فعلت ذلك آلاف المرات. كان هناك عهد الديناصورات وانتهى، النيازك ضربت الارض، الكثير من الحيوانات انقرضت، وقد يؤدي اعادة توازن الارض لنفسها هذه المرة الى التأثير على البشر خصوصاً ان عدد سكان الارض ازداد في السنوات المائة الاخيرة بنسبة كبيرة. هناك حالياً ما بين 6.5 و7 مليارات نسمة ومن المتوقع ان يصل العدد الى 8 مليارات او الى 9 في العشرين سنة المقبلة. يقول الدكتور فاين: «لا احد يعرف قدرة الارض الاستيعابية للبشر، قد تكون قادرة على استيعاب 9 مليارات فقط من حيث المياه والغذاء الكافيين، لكن كلما ازداد عدد السكان يحدث في المقابل موت كثير، كما في مملكة الحيوانات، فهذه تتعرض لفيروسات والتهابات وينقص عددها، وقد ينسحب هذا على البشر، وفي الحالات المقبلة سيتصارع الناس على الثروات، لكن الحرب لن تكفي لتخفيض عدد البشرية».

الآن، اذا لم تُتخذ اجراءات سريعة، فان نسبة الحرارة سترتفع وسيشهد العالم الكثير من الاعاصير والعواصف والفيضانات، دول كثيرة ستغرق او تتعرض للكثير من الاضرار، وستواجه شركات التأمين مشاكل او قد ترفض التورط في التأمين على الأبنية والناس، وهؤلاء سيبدأون في الهجرة.

اذا ارتفعت الحرارة بنسبة درجتين ونصف الدرجة يمكن السيطرة عليها لمدة خمسين او مائة عام مقبلة، لكن اذا تُركت الأمور من دون اجراءات حاسمة واستمرت حرارة المناخ في الارتفاع فان ذوباناً كثيراً سيحصل وسيتمدد حجم المحيطات والبحار، وللعلم، فان العالم على طريق الوصول الى ثلاث درجات زيادة في الارتفاع.

بدأ العالم العربي يتذوق ابعاد التغيير في المناخ، لقد رأينا اعاصير وفيضانات في مسقط والجزائر واليمن اخيراً، في السابق كانت الاعاصير قليلة لأن الرياح تأتي من اتجاهات مختلفة، ولا اعاصير مثلاً في المناطق الصحراوية لأنها جافة وهي تشهد عواصف رملية. كل هذا ستيغير مع تغير المناخ.

ان الانهيار المالي والاقتصادي الذي يحدث الآن، هو جزء بسيط نسبياً وصغير من سلسلة الاحداث التي قد يتعرض لها كوكب الارض الذي نعيش عليه. لقد مر العالم في السابق في حالات ركود اقتصادي كثيرة واستطاع الخروج منها ليشهد طفرات اقتصادية وازدهاراً. الخوف اليوم من ان يتباطأ الاهتمام بايقاف ارتفاع حرارة الارض والتضحية بمستقبل البشرية من اجل توفير نمو اقتصادي لن يصمد امام الاعاصير والفيضانات وانتشار ثاني اوكسيد الكربون بكثافة في الفضاء.