أوباما

TT

لقد فعلها الشاب الأسمر، ضعيف البنية، بليغ العبارة، واثق الخطوة. لقد فعلها باراك أوباما وأصبح الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية. لسنوات ثمانية طويلة من حكم جورج بوش الابن البائسة كنت أخجل من أن أعلق شهادة تخرجي من جامعة تلسا بالولايات المتحدة في تخصص «العلوم السياسية»، ولكني اليوم أعود وأعلقها بكل اعتزاز وفخر.

لقد انتصر باراك أوباما لأنه نادى بالتغيير، وبلاده كانت معدة تماما له بعد سنوات جورج بوش العجاف. كان لا بد من التغيير وكان لا يمكن أن يفوز باراك أوباما بهذا الشكل المبهر والكاسح دون أن يمهد له جورج بوش برعونته لذلك.

الأمريكيون يشبهون فوز أوباما بالمنصب الأهم في العالم كنزول رائد الفضاء نيل ارمسترونج على سطح القمر، فهناك عبور للخط الأصعب وتحديدا خط العنصرية البغيض. لأكثر من ثلاثمائة سنة كانت وثيقة الاستقلال تقول (بصوت مدو) إن «كل الرجال خلقوا سواسية» ولكن واقع المجتمع الأمريكي كان يتحدث عن أمر آخر تماما. كان مجتمع أسياد وعبيد وطبقات وطبقية مقيتة. واليوم يرسل المجتمع الأمريكي رسالة مدوية على قدرته على إصلاح نفسه والارتفاع عن الشبهات والنهوض بذاته وضم كافة عناصره إلى وعاء أكبر. مشهد انتخاب أوباما كان مشهدا دراميا وعالميا بامتياز شديد. التهاني والأحضان والقبلات والرقصات كانت في شوارع القاهرة وريو دي جانيرو ونيروبي وباريس وسنغافورة بشكل عفوي وتلقائي مثير. التحدي الآن كبير على كتفي أوباما صاحب الجسد النحيل والعقل الحكيم، عليه أن يثبت للعالم أن عدالة أمريكا ليست غوانتانامو وأن قيمها لا علاقة لها بأبو غريب، وأن نظامها الرأس مالي بعيد تماما عن ليمان براذرز. وأن العالم يجب ألا يكون منقسما بحماقة بين معسكرين، إما معنا أو ضدنا، في شكل هيستيري وكاريكاتوري. انتخاب أوباما بهذا الشكل المبهر يرفع السقف الأخلاقي لدول العالم في تعاملها مع شرائح مجتمعها المختلفة ويجبرها على مراجعة طرق الاندماج وأساليبه. لم يعد الأفريقي الأمريكي مجرد كمالة عدد في المجتمع الأمريكي فيكون نجما ترفيهيا مثل مايكل جاكسون، ورياضيا بارزا ومتألقا مثل مايكل جوردون أو تلفزيونية لامعة مثل أوبرا ونفري، ولكنه بات بالإمكان أن يكون زعيما لبلاده وبانتخاب مباشر من شعبه. شيكاغو تقدم ابنها للعالم كهدية عبرة، وكهدية اتعاظ تحسب لها. لقد كانت انتخابات مثيرة وجاءت بنتيجة مبهرة.. انتخابات كانت تتابع في أنحاء الدنيا وكأنها انتخابات محلية تعنى كل بلد بشكل مباشر، وفي النهاية فاز العقل والمنطق وانهزمت تيارات التطرف والعنصرية والحماقة.

مبروك لأوباما، وكل الأمل أن يكون في انتصاره درس كبير للمتكبرين.

[email protected]