قمة الزعماء وصراع القمة

TT

حتى نفهم عمق الأزمة المالية العالمية وخطورتها يكفي أن نشرحها على طريقتنا، فقد خسرت سوق أميركية واحدة هي داو جونز في أسبوع واحد تريليونين، أي أكثر مما خسرته الحكومة الأميركية في حرب العراق في أربع سنوات. ومع هذا لم نلامس بعد قاع الأزمة، ولا ندري كيف ستنتهي، فالبركان لا يزال يقذف حممه في كل اتجاه، ويهدد بتغييرات مختلفة الأشكال من اقتصادية إلى سياسية. وبات من الطبيعي أن يتساءل الجميع، هل نهاية القطب الأميركي، رأس البركان؟

بسبب خطورة الوضع دعت واشنطن زعماء من عشرين دولة في العالم لتدارس الأمر، وبالتالي فان القمة العشرينية في ذاتها اعتراف بأن الأزمة خارج السيطرة وأكبر من قدرة الولايات المتحدة، القوة العظمى، مع أنها المسؤولة الأولى عن الاضطراب.

الأزمة أثارت الكثير من الاستنتاجات المستعجلة، بعضها علمية تتحدث عن ظهور أقطاب قوة إضافية، وبعضها استنتاجات تعبر عن تمنيات تتحدث عن نهاية القوة الأميركية، تقال من قبيل الكراهية لا العلمية.

ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه واثق من النتيجة النهائية، لان البركان مستمر في الهيجان، وأمامنا بضعة أشهر، وربما سنوات حتى تتضح النتائج الحقيقية. إنما الكثير مما يطرح فيه مواقف سياسية، فالذين يكرهون الولايات المتحدة اعتبروا الأزمة المسمار الأخير في النعش الأميركي. أما الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة يظنون أنها مسرحية أميركية لسرقة أموال الصين والهند والخليج. وهناك من يتنبأ بأن روسيا ستتبوأ الزعامة، وآخر يعتقد أنه العقد الأوروبي، وثالث يراه صينيا. وهذا جدل شائع في أنحاء العالم لا في منطقتنا فقط. والأمور ليست واضحة لأن حسابات القوة العظمى ليست اقتصادية فقط وإلا صنفت اليابان، ولا عسكرية فقط وإلا استمرت روسيا قوة عظمى كونها صاحبة الترسانة النووية الثانية، فهي نتاج عمل مؤسسي متكامل.

الذين يراهنون على أنها نهاية قوة أو ظهور أخرى عليهم أن يحددوا معالم القوة، وخير من ألف في هذا الموضوع بول كينيدي، وقد ترجمت كتبه إلى العربية. فالقوة ليست عسكرية فقط بل أولا علمية، وثانيا اقتصادية، وثالثا عسكرية. علميا هناك 17 جامعة أميركية في قائمة أهم عشرين جامعة في العالم، واقتصاديا توجد نحو مائتي شركة أميركية بين أكبر خمسمائة شركة في العالم، أما عسكريا فواشنطن تنفق نصف ما ينفقه العالم على تطوير وبناء السلاح. والقوى الناشئة الجديدة تقوم على السوق الأميركي مثل الصين، وكذلك الهند. كلا البلدين يعتمد على السوق الأميركية لتصريف منتجاتهما، وبالتالي فإن الكساد الذي أصاب السوق الأميركية أضر فورا بالناتج الصناعي للصين والهند. كما أن خسائر البنوك الأميركية تهدد المكاسب الصينية أيضا حيث أن معظم أموالها في الولايات المتحدة، وأي ضعف يصيب الدولار يعني تناقص المخزون الصيني المالي الهائل المحفوظ على شكل سندات أميركية. وبالتالي فإن العالم مربوط بالعجلة الأميركية سلبا وإيجابا، فإن دارت بسرعة ركض العالم معها، وإن دارت ببطء أصيب العالم بالكساد. ثم إن الاقتصاد العالمي مربوط بالدولار الأميركي إلى درجة الهيمنة، الدولار يشكل ستين في المائة من عملات العالم.

الحديث عن قمة العالم ومن يجلس عليها يهم الجميع لأنه سيدل على اتجاه الريح في منطقتنا أيضا، لكن لن يكون سريعا وواضحا بل بطيئا ومحيرا، لأنه لا توجد خلافة مؤكدة مع تعدد الدول الكبرى المتصارعة في المرتبة الثانية.

[email protected]