المسلم مسلم ما خرج عن الإسلام أو تمرد

TT

قرأ صديقي حازم السامرائي، الناشر وصاحب مكتبة دار الحكمة بلندن، ما كتبته عن اثر الايمان في التخفيف عن الألم وكيف انني لم انتفع من الباراسيتمول والاسبرين والكودمول في التخفيف عن اوجاع كتفي المخلوع بقدر ما انتفعت من استماعي لتلاوات الذكر الحكيم. مضى حازم فقال هذه المقالة تذكرني بما حصل لي مع الاديب شريف عرفته معرفة بسيطة اثناء تردده على مكتبتي. عرفته كشيوعي متشبث بالماركسية. سمعت بأنه اصيب بمرض خطير ونقلوه للمستشفى. عزمت على زيارته وحرت فيما يمكن ان آخذ هدية له تخفف من اوجاعه وتشد من قوته. قالوا انه لا يستطيع الاكل او الشرب، وبالتالي فلا فائدة من اخذ فواكه او حلويات له. وقالوا انه لا يفتح عينيه، فلا فائدة من تزويده بالصحف والمجلات. حرت في الأمر وقررت اخيرا ان آخذ معي نسخة من المصحف الشريف اضعها بجانبه. القرآن الكريم بجانب شيوعي ماركسي لنيني.

جلست جنب سريره ووجدته كما وصفوه. لا يكاد يتنفس من خرة ابرة. ربطوه بشتى الاسلاك والانابيب والمعدات. سلمت عليه ولم يرد السلام. حذرتني الممرضة. قالت لا تتعبه بالكلام. انه بين الموت والحياة. وهذه الليلة هي المحك. اذا اجتازها فقد فلت من ملك الموت.

جلست بجانبه حائرا ثم قررت تجاهل كلام الممرضة. همست في اذنه: «شريف، انا اعرف انك لا تؤمن. ولكن اريد ان اقرأ لك شيئا من القرآن. اذا كنت تريد ذلك فافتح عينيك واغمضها مرتين».

نظر حازم في وجهه واذا بالرفيق المناضل يفعل ذلك. فتح حازم المصحف وراح يتلو عليه. ثلاث ساعات وهو يقرأ له الذكر الحكيم وشريف يفتح عينيه عاليا نحو السماء. وكلما توقف صاحبنا ابوهشام عن القراءة ليقلب الصفحة، اغمض عينيه وعاد ففتحهما عندما استأنف القراءة. نظرت الممرضة بكل هذه الساعات والمؤشرات والمقاسات ثم افتر فمها عن ابتسامة راضية. جاءت بوجه مبتشر. «إنه الآن في خير. لقد استقرت حالته. وهو الآن غارق في النوم. ستجده عند الصباح في حالة احسن».

روى لي حازم هذه الواقعة فقلت له: يا ابوهشام، انت من اشرف من عرفت من المسلمين الملتزمين. سمعت باليهودي مير البصري فعدته ودعوت له بالشفاء وهو على شفى الموت. وسمعت بالنصراني حنا فعدته ودعوت له بالشفاء. وسمعت بالشيوعي شريف فعدته وقرأت له القرآن. لم ارك يوما تميز في تعاملك مع الناس بسبب طائفتهم او معتقداتهم. الاسلام في خير ما بقي على هداه رجال بهذا التسامح والروح الانسانية.

خرجت وفي طريقي تذكرت ما سمعته من شيخنا ومعلمنا عبد العزيز التويجري رحمه الله اثناء زيارتي له في الرياض. قال لا تقلقوا على المسلم. لا خلاص للمسلم من اسلامه. يصبح ماركسيا وشيوعيا ووجوديا وأي شيء، ولكنك تجده في آخر المطاف يعود لجذوره وقرآنه وديانة آبائه واجداده.

www.kishtainiat.blogspot.com