سيد القوم

TT

لو قدر لأحدنا ان يختار لنفسه صفة انسانية من بين كل الصفات التي يتحلى بها الانسان فماذا تكون هذه الصفة التي تختارها لنفسك؟

هل تختار ان تكون في نظر الآخرين ذكيا؟ موهوبا؟ طيب القلب؟ محسنا؟ مثقفا؟ ناجحا؟ قويا ؟ جذابا؟ ذا جاه وسلطان؟

وهل يكون اختيار المرأة للصفة التي تتمنى ان تتحلى بها مختلفا عن اختيار الرجل لصفة يتمنى ان ينسبها اليه الآخرون؟

الحقيقة هي انني لم اكن اعرف الاجابة غير انني اليوم تذكرت رواية من التراث قرأتها عن رجل خرج من المدينة المنورة للحج مع نفر من اصحابه، وفي الطريق حطوا الرحال التماسا للماء والطعام، فجاء اليهم رجل رث الثياب فسألهم ان كانوا يبغون خادما أو ساقيا يملأ لهم قربة ماء. فأعطوه القرب ليملأها، فأخذها الرجل وانطلق ثم عاد بها مسرعا وهو مسرور وضاحك. ولما أقبل عليهم لاحظوا ثيابه الرثة التي لوثها الطين، وأعطوه طعاما يسيرا من لبن حامض. فاذا به يقبل على الطعام اقبال الجائع الذي اشتد به الجوع. ويقول الراوي ان قلبه رق للغريب فقام ليعطيه مزيدا من طعام اطيب مما اعطي في البداية. غير ان الرجل نظر اليه وابتسم وتعفف عن اخذ المزيد. فرجع الى اصحابه وهو في عجب من عفة الرجل رغم فقره الظاهر. وادهشه ان احد رفاقه تعرف على الفقير واخبر الجمع انه واحد من بني هاشم من ولد العباس بن عبد المطلب. وقد كان رجلا ثريا ذا بأس وقوة أقام في البصرة ثم خرج منها ففقد ولم يعرف له أثر.

ويقول الراوي انه عاد الى الفقير وقال له معي فضل، ان شئت ان تعادلني. ولكن الرجل الفقير شكره وأبى ان يأخذ منه شيئا. فجلس معه يجاذبه الحديث حتى انس اليه. فرجاه ان يروي له جانبا من تاريخه فقال: كنت ذا كبر شديد وجبروت وبذخ، لا آكل من الطعام الا اطيبه ولا أنام إلا على فراش من حرير. ذات يوم أمرت خادمي ان يحشو لي فراشا ومخدة بالورد المنثور. ففعل الخادم ما امرت به، فلما نمت ايقظني قمع وردة لم يتنبه اليه الخادم فأغفل ازالته. فقمت من فراشي فاوجعت الخادم ضربا ثم عدت الى الفراش بعد ان اخرجت القمع من مخدتي. فأتاني في منامي في صورة مريعة من نهرني وقال لي أفق من غشيتك وامهد لنفسك صالحا تنجو به والا ندمت غدا اذا لم تفعل.

وقال انه نهض من الفراش فزعا وخرج من البصرة بلا مال ولا ثياب تائبا ونادما وهام على وجهه طالبا ان يخدم الناس توبة واستغفارا عن الذنب.

اعتقد انني عثرت في حكاية الهاشمي على اجابة عن السؤال. فالكبر والقسوة صفتان لا يحبهما الله والناس، وقد وجدت في تلك الرواية البسيطة علما وأدبا وتفسيرا للسلوك يغني عن نظريات فرويد وتحليلات يونج. ورسخت قناعاتي بأن الانسان، ذكراً كان ام انثى، اذا تواضع فاز فوزا عظيما، واذا عامل الآخرين برفق ورحمة خرج من ظلام الجهل وابتعد عن سوء الخلق.

وما أفضل من أن يوصف أحدنا بأنه ذو علم ودين.