حزين عليك يا جورج!

TT

أنا حزين على الإعلامي الكبير جورج قرداحي لربط وجوده على الشاشة بالملايين، وهو يتدرج من خانة المليون إلى خانة العشرة ملايين، فهذه البرامج عمرها في الغالب أقصر من أعمار أطفال المجاعة في أفريقيا، فهي تثير ضجة كبيرة في بداياتها، لكن سرعان ما تخبو وتتلاشى، حتى يصبح مقدم البرنامج أشبه بصيرفي في سوق شعبي يحاول جذب الانتباه برنين قطعه المعدنية، وقد انفض عنه الزبائن.

صحيح أن هذه البرامج حولت قرداحي إلى نجم يطلق اسمه على أنواع من العطور، ويحتل أغلفة الكثير من المجلات، ويتحلق حوله أينما ذهب مجانين النجوم من المراهقين والمراهقات، لكنها نجومية موقوتة سريعة الزوال والنسيان والتلاشي، ولو لم يسعف الحظ قرداحي سريعا بـ«القوة العاشرة» لأرته الأيام وجهها الآخر الذي تتعامل به مع الناس حينما ينتقلون من الأضواء إلى الظلال.

لو كنت مكان قرداحي لآثرت اتباع حكمة «قليل دائم خير من كثير منقطع»، فجورج بإمكانه أن يكون مذيع نشرة أخبار ناجح، كما أن بإمكانه أن يقدم برامج حوارية راقية، وهذا سيكفل له الاستمرار طويلا في ذاكرة المشاهد العربي بدلا من هذا الظهور الموسمي المتقطع الذي يستثير غريزة التملك لدى البعض بدلا من استثارة مقدراتهم العقلية.

للعالم الروسي «بافلوف» تجربة مثيرة، فكان يطلق الجرس في كل مرة يقدم فيها الطعام إلى كلبه، حتى غدا مجرد قرع الجرس يسيل لعاب الكلب نتيجة الاقتران الشرطي بين صوت الجرس وتقديم الطعام، واقتران جورج قرداحي اليوم بالملايين شكل ارتباطا شرطيا يمنع من إمكانية تقبله في أي برنامج آخر مجردا من الملايين، فصورة «الصراف» التي علقت في أذهاننا لجورج قرداحي يصعب عليه التخلص منها لاستعادة صورته كإعلامي.

فكرة تعريب البرامج الناجحة في الغرب ليست دائما مضمونة النتائج، فبعضها يصيب، وبعضها يخيب، ومحافظة قرداحي على شهرته المفاجئة والمداهمة لا يفترض أن تكون عرضة للمغامرة، فالرجل لم يحصدها إلا بعد أعوام طويلة من الغياب، ومن حقه أن يستمتع بها، ويتلذذ بمخزونها قبل النفاد، فالذي يألف الشهرة يتعود إدمانها، ويخاف رحيلها، فذاكرة الناس كما يصفها فيلسوف سعودي راحل هو محمد حسين زيدان ذاكرة دفانة، موغلة في النسيان.

مرة أخرى حزين عليك يا جورج فقد تنتهي المباراة، ويطلق الحكم الصافرة، وينفض الجمهور.

[email protected]