مقاييس القوة عربيا

TT

سمعت تفسيرات مختلفة في شأن تشكيل مجموعة العشرين، الدول التي اجتمع قادتها في العاصمة الاميركية من أجل مواجهة الأزمة العالمية. أحد الذين علقوا على هذا الموضوع اعترض على تجاهل مصر، وأتصور ان هذا الرأي طرح أيضا في دول عربية واقليمية أخرى ترى انها أحق بالمشاركة.

للسياسة، كما يعرف أهلها، معاييرها، مقاييس وظروف موضوعية تجعل من دول كبيرة وأخرى صغيرة. وللاقتصاد، بدوره، معاييره ولا تتشابه بالضرورة مع السياسة. فالصين، على سبيل المثال، المعترف بها كقوة سياسية وعسكرية لنصف قرن، لم تصنف كقوة اقتصادية الا حديثا جدا.

وعندما سميت الدول العشرون في قمة واشنطن كانت الحسابات حاضرة، فكل دولة تجلس إلى الطاولة لها تأثير اقتصادي كبير ما. فالسعودية، مثلا، لم تدع من قبيل المجاملة. الاعتبار هذه المرة، انها قوة اقتصادية مؤثرة ومطلوب تعاونها. ولا أود أن أقول إن حساب القوة كان ماليا، مع أن ميزانيتها الحكومية، حتى مع انخفاض سعر البترول، هي مائة وعشرون مليار دولار، في حين أن مصر، وهي كبرى دول المنطقة، ميزانيتها ثلث الميزانية السعودية. الحساب يتجاوز المحفظة الحكومية الى التأثير الخارجي.

قلت لصاحبي انظر الى المسألة بشكل موضوعي لا عاطفي. لو كانت القمة تريد إنهاء النزاع في منطقة الشرق الاوسط، لتوجب حتما حضور مصر، فبدونها لا يمكن أن يحل السلام. في حين ان السعودية لو اختارت ان تغيب، قد لا يعطل غيابها مشروع السلام. هذا هو الفارق بين القوة الصلبة، مثل العسكرية، والقوة الناعمة اي الاقتصادية، كما يعرف طلاب العلوم السياسية.

اقتصاد العالم يقوم في جزء مهم منه، على البترول، كونه محركا للسوق او مخربا له. الدولة الرئيسية النفطية في العالم هي السعودية، وتكاد تكون الوحيدة القادرة على تجويع العالم بتروليا أو إغراقه، وبالتالي التأثير على سعره. ولو انها قررت اليوم خفض انتاجها من تسعة الى ثلاثة ملايين برميل، لربما أصابت العالم بأزمة قلبية جديدة تضاف إلى جلطة الأزمة البنكية التي تعصف به منذ شهرين. وبالتالي فإن إرسال بطاقة الدعوة الى المصدر النفطي الأكبر، الى قمة العشرين لم تكن عن مجاملة، خاصة ان الهدف هو التنسيق بين الدول الحاضرة في القاعة لتنفيذ ما يتفق عليه. الدول العشرون اختيرت لانها تمثل عمليا تسعين في المائة من اجمالي الناتج القومي العالمي، والتجارة بينها لوحدها تمثل ثمانين بالمائة من تجارة العالم، وللتذكير فان في العالم أكثر من مائة وتسعين دولة.

هناك غائب مهم عن القمة ليس مصر او الجزائر او غيرها، بل العالم العربي ككتلة واحدة. فقد كشفت قمة العشرين عورة العالم العربي المشغول دائما بالسياسة عن التنمية. فمعظم دول المنطقة تعتبر النجاح السياسي همها شبه الوحيد. والقيادة مسؤولة عن ذلك، فهي التي تقرر مصير شعبها، تختار إما أن تخطط لجعله قوة عسكرية أو أن توجهه نحو التنمية الداخلية التي ستجعلها آجلا قوة إقليمية.

هل تذكرون مشروع السوق العربية المشتركة؟ لو أن الحكومات العربية وفت بوعودها وأسسته، وتحولت باتجاه الوحدة الاقتصادية، لكانت حتما ممثلة اليوم في قمة العشرين، كما مثل الاتحاد الاوروبي بكرسي لوحده داخل القاعة، رغم وجود كراسي لبعض اعضائه مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

نحن لا نعاني من أزمة مالية بل أولا نشكو من أزمة قيادية. فهناك جهل فاضح في قيمة التنمية الاقتصادية وأثرها في النجاح السياسي الداخلي والخارجي. فشلها جعل دولا عاجزة عن التقدم، وأحيانا عاجزة عن وقف التقهقهر، مع ان العالم العربي يملك من المقومات، مجتمعا، ما يجعله قوة اقتصادية هائلة ومؤثرة في العالم، لو قرر أن يكون كتلة واحدة وينبذ التقاتل السياسي.

[email protected]