اثنان بسعر اثنين

TT

كان بيل كلينتون يشعر بالضجر إزاء باراك أوباما.

دعوني أُعيد صياغة الجملة السابقة.

كان بيل كلينتون يشعر بضجر أكبر إزاء باراك أوباما.

أشار أصدقاء كلينتون إلى أن الرئيس الأسبق يشعر بالسخط حيال المقارنات السلبية، التي يجري عقدها بين المرحلة الانتقالية التي مر بها عند انتخابه رئيساً، وحتى توليه المنصب فعلياً، والتي اتسمت ببطء الحركة وظهرت فيها عقبات، وتلك الخاصة بأوباما، التي بدت تتسم بالسرعة والسهولة.

ومثلما أوضحت كارين تملتي في مقال لها بمجلة «تايم»: «يعد أوباما أسرع في انجاز جهود تشكيل حكومته مقارنة بأي من سابقيه القريبين، خاصة بيل كلينتون، الذي لم يعلن عن أي قرار تعيين بمنصب كبير حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول)».

وصرح جون بودستا، الذي كان يتولى منصب رئيس فريق العمل المعاون لكلينتون، ويترأس حالياً فريق العمل الانتقالي المعاون لأوباما، لمحطة إن بي آر (الإذاعة الوطنية العامة): «أعتقد أن الرئيس كلينتون يدرك أنه عانى في البداية لأنه انتظر طويلا، وأعلن أسماء فريق العمل المعاون له في البيت الأبيض في وقت متأخر».

ومثلما نجح كلينتون في تهذيب شخصيته الفوضوية على النسق الملائم للشخصيات الإدارية، يعمل أوباما على صياغة شخصيته الهادئة من جديد على هذا النسق.

وفاجأ أوباما بيل كلينتون وزوجته هيلاري بمنحها فرصة لتولي منصب وزاري في إدارته. ونظراً للتوجه الذي عادة ما يبديه الزوجان حيال أي شخص يعارضهما، والذي يغلب عليه الشعور بعقدة الاضطهاد، فإنهما لم يتوقعا قط مثل هذه الخطوة التي تنم عن صدر رحب، وشعرا بالسعادة لعودتهما إلى دائرة الضوء مجدداً. وعلق أحد معارف بيل كلينتون على الأمر بقوله: «إنه يقضي على سخطه». وعلى الأقل، ربما يشعر بيل كلينتون بالرضا لتمكنه من تعكير صفو حياة أوباما، التي كانت صافية وهادئة من قبل. وربما يشعر بالانبهار إزاء استعداد أوباما لإزالة الحمل، الذي يشكله بيل على عاتق زوجته هيلاري، وتحمله هو بدلاً منها. ومن الواضح أن أوباما يتخلى عن مبادئه وعباراته الشهيرة المناهضة لإجراءات التضخيم وتسريب الأخبار على الصعيد السياسي، من أجل محاولة خلق وضع يمكن في إطاره أن تستفيد البلاد من مهارات آل كلينتون، بينما يتم كبح جماح تجاوزاتهم التافهة، مثل التدفقات المالية المستمرة التي يحصلون عليها من جهات أجنبية.

وفي المقابل، يبذل كلينتون كل ما في وسعه ـ حيث يكشف عن جهات التبرع الغامضة التي تمده بالمال وماهية مصالحه التجارية، ويعمل على تحديد السبيل للحد من أسفاره الى مختلف أنحاء العالم سعياً لتقليص نقاط تعارض المصالح ـ بهدف مساعدة زوجته على الحصول على المنصب الوزاري.

وفي الوقت الذي هيمنت على واشنطن أنباء ترشيح هيلاري لمنصب وزيرة الخارجية، تقاضى زوجها نصف مليون دولار عن حديث أدلى به لمدة نصف ساعة من وراء منصة عالية تحمل صورة جمل وكتابة عربية تحت رعاية بنك الكويت الوطني. وفي العام السابق، حصل بيل كلينتون على إجمالي 10.1 مليون دولار كأجر عن المحاضرات التي ألقاها.

وحال حصول هيلاري على المنصب الوزاري، سيتضاءل شعور زوجها بالذنب عن خطبه العنيفة خلال الانتخابات التمهيدية، التي قوضت من فرص وصولها إلى مقعد الرئاسة.

بيد أنه من المحتمل أن يبقى الحنق دوماً في نفس بيل كلينتون، الرئيس الـ42 للولايات المتحدة، تجاه أوباما، الرئيس الـ44، ليس فقط بسبب تصدي معسكر أوباما بنجاح لأسهمه العنصرية المسمومة في كارولينا الجنوبية، وإنما كذلك لغيرة بيل من حصول خلفه الديمقراطي على أغلبية 53% من الأصوات في إطار التصويت الشعبي، بينما حصل هو على 43% منها، ما جعله يعتقد طوال فترة رئاسته أنه لا يتمتع بسلطة حقيقية تعتمد على تفويض واسع النطاق من الناخبين، كما أنه يعتقد أن ذلك شجّع توم ديلاي، زعيم الأغلبية داخل مجلس النواب، والجمهوريين الآخرين على استجوابه.

يذكر أنه بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قال كلينتون إنه كان يأمل لو كان رئيساً للبلاد خلال هذه الأزمة العالمية الكبرى. والآن، مع مطالعته لصورة أوباما على غلاف مجلة «تايم» باعتباره فرانكلين روزفلت الجديد، من المؤكد أنه سيشعر بالغيرة من أن عهد أوباما سيتفوق على عهد كلينتون، الذي انحدر اهتمام البلاد خلاله إلى قضايا تافهة ومعركة سحب ثقة لا طائل من ورائها.

ويرى بعض النقاد أن هيلاري لا تملك المؤهلات التي تؤهلها لتولي مسؤولية وزارة الخارجية، لكن وصولها لهذا المنصب يعني عدم حصول جون كيري المغرور عليه، وهو أمر جيد في حد ذاته.

والملاحظ أن هناك أحد الأشخاص الذين اشتهروا بمعارضة وصول هيلاري لمنصب الرئيس، بات الآن يعتقد أن لديها القدرة لأن تصبح وزيرة خارجية ممتازة، وهو ديفيد غريفين. في تعليقه على ترشيح هيلاري للمنصب، قال غريفين: «إنها ذكية وصارمة، وأفضل بكثير من أي من المسؤولين القدامى الذي كانوا يتسمون بضيق الأفق من أمثال هولبروك، أولبرايت، إلخ».

وأضاف موضحاً أن: «أوباما سوف يدير شؤون السياسات، بينما ستتميز هيلاري بالفعالية في مجال الاتصال. كما أن ذلك يدفع بيل خارج اللعبة. إن ذلك سيحوله بصورة كاملة إلى حليف ـ وربما سيشكل مصدر عون لكل منهما.

أعتقد أن أوباما ذكي بدرجة تجعله حريصا على جمع أكبر عدد ممكن من الأذكياء حوله، وأن يضم إليه راهم ويحتفظ بليبرمان ويختار هيلاري بين وزرائه. إن هذه الخطوة من شأنها إكسابه قدرا بالغا من النوايا الحسنة من قبل الآخرين، وهو ما سيحتاجه بشدة بالتأكيد، بالنظر إلى الحروب والكارثة المالية التي تجابهها أميركا. إن الوضع يزداد سوءا كل يوم. وهناك الكثير والكثير من الفقاعات التي لم تنفجر بعد». وعندما سألته لماذا يؤيد تولي هيلاري منصب وزير الخارجية، بينما يعارض توليها الرئاسة، أجاب: «أعتقد أن المنصبين مختلفان تماماً، أليس كذلك؟».

وأجبته بأني أتفق معه تماماً.

* خدمة «نيويورك تايمز»