السلام «العرفي»!

TT

لم أفهم يوما جدية معنى «المحادثات الغير مباشرة»، ولا أعرف الفرق بينها وبين المباحثات المباشرة سوى أنها عن طريق طرف ثالث وسيط .. يا سلام ! ما المقصود بهذه الخطوة التكتيكية، هل هي لإزالة الحرج من أن الطرفين يتباحثان في مكان واحد؟ والجميع يعلم أن الطريقة المتبعة الآن ما هي إلا طريقة شكلية هزلية ومؤقتة وسرعان ما سيصبح الوضع على طريقة الافلام العربية العقيمة حين يلتفت البطل بصورة مسرحية نحو الكاميرا ويتنهد قائلا «ليلى.. نحنا لازم نصلح غلطتنا». أشاوس العرب هبوا يهاجمون مؤتمر حوار الأديان بنيويورك ونعتوه بأسوأ الصفات واعتبروه «مقدمة» للتطبيع مع اسرائيل، ونفس هؤلاء الاشاوس وزينة الرجال يلتزمون الصمت التام حيال ما يجري من

«مباحثات» غير مباشرة.. (ارجوك انتبه!) في تركيا عن طريق المحلل الوسيط. مباحثات اسرائيل وسورية تسير بخطوات جادة والى أن تتحول الى محادثات مباشرة ستستمر بعض الجولات في «كيس الملاكمة» المسمى بلبنان من الطرفين. فتفجيرات هنا وتحليق خارق للأجواء هناك وتحريض هنا واغتيال هناك. السلام بحد ذاته قضية شائكة في أدبيات السياسة العربية، فهو تم تناوله بأكثر من عبارة مدوية وقوية وأحيانا.. راقصة أيضا. فتارة يوصف بـ«السلام العادل» ومرة أخرى يوصف

بـ«السلام الشامل»، وطبعا لا يمكن نسيان «السلام الكامل» (طبعا من يرغب في السلام الناقص!) ولا ننسى رغبة «الختيار» الراحل أبو عمار الذي كان دائما ما ينادي ويطالب «بسلام الشجعان» ويا للهول حينما كان يطالب بها باللغة الانجليزية، وطبعا هناك من طالب بـ«السلام الدائم»

(على عكس السلام المؤقت الذي يأتي بتاريخ انتهاء الصلاحية) ثم بعد ذلك أدمجت السياسة بالهندسة فجاءنا السلام «المبني على أسس» قوية وثابت على «قاعدة صلبة»، ويدخل إلينا من «باب» العدل و«سقفه» الحرية. وللوصول للسلام كان لا بد من استحداث وسائل مختلفة بدأها كيسنجر إياه «بالخطوة خطوة»، وبعدها كان لا بد أن يكون مقابل السلام، فخرجوا علينا بفكرة «الأرض مقابل السلام» وبعد ضياع الأرض نفسها كان لا بد من «خارطة طريق» للوصول للارض من جديد. السلام مصطلح جميل ومعنى رائع استغل أبشع استغلال، فمرة كان شعاره أن

«الحرب هي لأجل السلام» أو أن «السلام هي معركتنا الكبرى!»، وما تلفظ به المجرم اريل شارون وهو يطأ الحرم القدسي الشريف ويقول بسخرية إنه جاء من أجل السلام. السلام تحول الى سلعة وبضاعة من لا بضاعة له، وبات يستغل بشكل بشع لأجل مآرب مريبة ومؤلمة أغلبها هو لتكريس السلطة والتحكم بالمقدرات. السلام لمن يرغب طريقه معروف وثمنه واضح ومن يقوم بالسعي إليه أن لا يخجل من الفكرة إذا كان مقتنعا بها ومؤمنا بنتاجها، أما القيام بإطلاق الأبواق المسعورة لبدء معارك سخيفة لا داعي لها ولن تكون سوى وبالا على منطقة كتب عليها الشقاء، فهذا لعمري مسألة لا تستحق الرد.. والسلام.