دماء في بومباي

TT

بومباي أو كما عاد اليها اسمها القديم وباتت تعرف اليوم باسمها القديم الجديد «مومباي» هي قلب الهند ورمزها. فهي عاصمتها التجارية الاولى وبامتياز، ومركزها الاقتصادي الأول، ومقر البورصة المالية، وموقع صناعة السينما الشهير فيها والمعروفة باسم «بوليوود». على بعد خطوات بسيطة من الموقع الأشهر في هذه المدينة المزدحمة، وتحديدا «بوابة الهند» ذلك المبنى المقوس الواقع على إطلالة المحيط الهندي مستقبلا ومودعا الزوار والتجار الذي قدموا لزيارة هذه المدينة عبر مئات السنين، على بعد خطوات منه وقعت مجموعة من التفجيرات المنظمة جدا والمعدة بدقة شديدة جدا في أكثر من موقع سياحي معروف. فندق «تاج» درة الفنادق الهندية وفندق «اوبروي» المعروف والذي لا يبعد عنه كثيرا، وكلاهما يقعان على بعد خطوات قليلة من شارع «قولابه» التجاري العتيق، الرعب الارهابي حط في الهند بقوة.

«مومباي» تحديدا كانت مدينة يضرب بها المثل على إمكانية التعايش بين الناس، ففيها خليط عجيب من الأعراق والأديان، ففيها أعداد كبيرة من الهندوس والمسلمين والسيخ والبوذيين والمسيحيين، حتى اليهود لايزال لهم وجود هناك، مع عدم إغفال القوى المؤثرة جدا لجالية الزرادشتية (عبدة النار) والتي تنتمي لها أهم الأسر التجارية الهندية مثل «تاتا» و«جودريج». ولكن الهند، الدولة العلمانية والديمقراطية الأكبر في العالم، كان لها نصيب هي الأخرى من الارهاب وتبعياته المرعبة، فالتطرف الهندوسي قاد عمليات عنيفة ضد المسلمين والسيخ والمسيحيين أدت الى وفاة العشرات، بل إن بعض عناصره اغتال غاندي وأنديرا غاندي وراجيف غاندي في مناسبات مختلفة. وكذلك تعرضت بعض مواقع العبادات المهمة لتفجيرات وأضرار خطيرة مثل معبد السيخ الذهبي ومسجد ايوديا. الهند دفعت ثمن اضطراب علاقتها مع باكستان وأزمة منطقة كشمير المستمرة، ومع ذلك استمر وضع المسلمين فيها في ازدهار وفي وضع أفضل بكثير من أحوال اخوانهم في باكستان، لأن الهند اهتمت بالتعليم وتطوير البلاد مما أسهم في تحسين أوضاع السكان جميعا في الهند. الهند كانت رمزا للاقتصاد الجديد ومقر «العالم المسطح» كما سمى الكون الرقمي الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، وبما أن الهند تمتعت بتبعيات الأرض المسطحة اقتصاديا وجنت أرباحا كبيرة لقاء تسخيرها للعديد من الخدمات والأفكار للاقتصاد المعولم الجديد، يبدو أن عليها أن تحصد ثمار العالم المسطح بحلوه ومره، فها هو الارهاب الذي انتشر حول العالم «بفروعه» مثله مثل ستاربكس وماكدونالدرز .. إنه عالم جديد، الارهاب ضرب قلب ثاني أكبر دول العالم من ناحية الكثافة السكانية، وبالرغم من أن هذا ليس هو الحادث الارهابي الاول في تاريخ الهند، فهي شهدت العشرات من الحوادث العنيفة والتي حصدت الضحايا وأسالت الدماء جراء ذلك.

بومباي شهدت اعتداءات ارهابية من قبل، فالبورصة المالية فيها شهدت تفجيرات أودت بحياة مائتي شخص وجرح العشرات، وبعدها شهدت السكة الحديد تفجيرات كبيرة حصدت أرواح العشرات هي الأخرى، وبعدها كانت مجموعة متفرقة من التفجيرات. ولكن اليوم بومباى تضرب لأجل كسر الثقة في قلب الهند وافزاع الاجانب عنها سياحا ومستثمرين. حرب حمقاء على الارهاب تولد المزيد من الارهاب. العالم بحاجة لأن يتكاتف ويعمل سويا بعيدا عن إدارات حمقاء ونوايا شريرة.

[email protected]