إنهم يحاولون إنهاء المجلس الوطني الفلسطيني

TT

اجتمع المجلس المركزي الفلسطيني يوم 23/11/2008، وانتخب محمود عباس(أبو مازن) رئيسا لدولة فلسطين خلفا للرئيس الراحل ياسر عرفات.

لسنا ضد الانتخاب. ولسنا ضد فخامة الرئيس. ونريد بقرار إرادي واع أن نعبر له عن كل الاحترام والتقدير الذي يليق بهذا المنصب الرمزي. إنما لدينا ملاحظات حول الجهة التي تولت عملية الانتخاب، أي حول المجلس المركزي الفلسطيني. وحول اللجوء إليه في كل مناسبة إشكالية فلسطينية. ولا نريد من خلال هذه الملاحظات أن نشكك بعملية الانتخاب، ولا أن نشكك بشرعية الرئيس المنتخب، ولكننا نريد أن نبحث قضية جوهرية تتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية.

المؤسسة الأساسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية هي المجلس الوطني الفلسطيني. المجلس الوطني هو المؤسسة التشريعية، وهو الأساس والمرجع في كل عمل من أعمال منظمة التحرير. بدأ أعماله عام 1968، عام تولي حركة فتح لقيادة المنظمة، وكان يتكون آنذاك من 100 عضو، وأخذ هذا الرقم يتزايد تدريجيا حتى أصبح الرقم الحالي لأعضاء المجلس 740 عضوا، دون أن يعرف أحد لماذا هذه الزيادات في العضوية، وما هو الهدف الذي تخدمه. أصدر المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بيان الاستقلال (وإعلان إنشاء الدولة الفلسطينية)، ولم يجتمع منذ ذلك الحين إلا مرة واحدة عام 1996 في غزة، من أجل إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني حسب مقتضيات اتفاق اوسلو والاعتراف المتبادل بإسرائيل. أما في ما عدا ذلك، مثل انتخاب رئيس للدولة الفلسطينية، وإقرار اتفاق اوسلو، وانتخاب رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وانتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية، والموافقة على إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1998، وأحداث غزة، واعتبار المنظمات الفدائية منظمات غير شرعية، والتعامل مع الإدارة الأميركية في بناء الأجهزة الأمنية، وانعقاد مؤتمر أنابوليس. فإن المجلس الوطني الفلسطيني لم يدع للانعقاد، لا لبحث الوضع الفلسطيني العام، ولا لبحث مسائل أساسية محددة. وفي كل مرة كانت تبرز فيها أزمة ما، كانت الدعوة توجه إلى المجلس المركزي للانعقاد كبديل عن المجلس الوطني. فهل يستطيع المجلس المركزي فعليا أن يكون بديلا للمجلس الوطني؟

الجواب مباشرة وبحسم هو: لا. المجلس المركزي الفلسطيني ليس بديلا عن المجلس الوطني. وهو لا يستطيع أن يحل محله. ولا أن يمارس دوره. ومن هنا فإن إشكالا ينشأ حول بعض قراراته، ومنها قرار انتخاب رئيس الدولة الفلسطينية.

هنا نريد أن نسأل، إذا كان المجلس المركزي يستطيع أن ينوب عن المجلس الوطني في التقرير والتشريع، وهو يتكون من حوالي 125 عضوا، وبنفس بنية المجلس الوطني، فلماذا تكون هناك مؤسستان فلسطينيتان تمارسان الدور نفسه؟ ولماذا لا يلغى المجلس الوطني ويبقى المجلس المركزي، ما دام يصلح لأداء كل الأدوار؟

أنا شخصيا ليس لدي جواب عن هذا السؤال، ولكنني أستطيع أن ألاحظ أمورا عدة ذات صلة:

أولا: لقد أصبحت دعوة المجلس الوطني للانعقاد ذات صلة وثيقة بما يسمى (اتفاق القاهرة) الذي أنجز عام 2005 بموافقة جميع الفصائل الفدائية. وهو اتفاق يتوجه نحو استقطاب جميع الفصائل الفدائية داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وبخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وهو اتفاق يدعو إلى إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، حتى لا تطغى عليها السلطة الفلسطينية في رام الله، وحتى تستطيع أن تبقى حاملة لصفتها الأساسية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، مع توجه عام، فصائلي وشعبي، يطالب باعتماد قاعدة الانتخاب في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الجديد بدلا من قاعدة (الكوتا) للفصائل، والتعيين للأفراد. وبما أن دعوة المجلس الوطني للانعقاد أصبحت مرتبطة بهذه القضايا فهناك، كما هو واضح ومعروف، آراء وصراعات وانقسامات، أصبحت تعرقل الحوار الداخلي (قبل أحداث غزة)، لأن هناك من لا يريد تفعيل منظمة التحرير. وهناك من لا يريد اعتماد قاعدة الانتخابات. وهناك من لا يريد إدخال الفصائل الجديدة إلى إطار منظمة التحرير. ولتحقيق كل هذه الأهداف دفعة واحدة، يتم تعطيل الحوار الذي يدعو إليه اتفاق القاهرة القديم، ويتم حتى تعطيل انعقاد المجلس الوطني في دورة جديدة، ويتم استبدال كل ذلك بدعوة المجلس المركزي للانعقاد، كما حدث مرارا في الأشهر الماضية.

ثانيا: لقد تحمست الرئاسة الفلسطينية نفسها، لفكرة الدعوة لانعقاد اجتماع جديد للمجلس الوطني بوضعه الحالي، ومن أجل مهمة محددة فقط هي انتخاب أعضاء جدد للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدلا من الأعضاء المتوفين أو المستقيلين. ولكن هذه الدعوة ووجهت باعتراضات شديدة، ولم يتم الاتفاق بشأنها، وكان في مقدمة المعترضين أعضاء قيادات حركة فتح. والسؤال لماذا كانت هذه المعارضة؟ والجواب هو أن الرئاسة الفلسطينية تشترط دائما أن يكون انعقاد المجلس الوطني داخل أراضي السلطة الفلسطينية، بينما يرفض الكثيرون انعقاد المجلس تحت سلطة الاحتلال، ويرون أن انعقاده في بلد عربي يتيح للجميع حرية في الحركة وفي الإعلان عن المواقف. وبسبب الإصرار على عقد المؤتمر في أراضي السلطة وليس في بلد عربي، تعطلت الدعوة إلى عقد مجلس وطني جديد، مع أن عقده في أية عاصمة عربية أمر ممكن. ولذلك جاءت الدعوة إلى انعقاد المجلس المركزي قبل أيام، مع تصدي المجلس المركزي لمهمة أساسية هي انتخاب رئيس لدولة فلسطين، كموقف محير وصعب التفسير. والتفسير الوحيد له هو أن المجلس المركزي مسيطر عليه، ويمكن عقده تحت سلطة الحكم الذاتي دون اعتراض، ويمكن بالتالي السيطرة على توجهاته وقراراته، بينما لا تتاح هذه السيطرة عندما ينعقد المجلس المركزي أو الوطني في الخارج. ويمس هذا الوضع بالطبع بمصداقية اجتماع المجلس المركزي، كما يمس بمصداقية الانتخاب الذي تم.

ثالثا: ترتفع في وجه ما نقوله هنا حجة مضادة قوية تقول، إن المجلس المركزي هو الذي انتخب الرئيس عرفات، فلماذا الانتقاد الآن؟ والجواب أن هذا الاعتراض صحيح كواقع، صحيح كمعلومات. ولكن إذا كان القائمون على شأن المنظمة قد ارتكبوا خطأ في الماضي، فليس ارتكاب الخطأ ذريعة لتبرير ارتكاب أخطاء جديدة.

على ضوء كل هذا نقول، إن أمور منظمة التحرير الفلسطينية لن تستقيم، إلا بالمضي نحو تطبيق اتفاق القاهرة المتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير، وتشكيل مجلس وطني جديد قائم على قاعدة الانتخاب. ثم يلي ذلك مناقشة وإقرار استراتيجية فلسطينية تعيد الشرعية للميثاق الوطني الفلسطيني، حتى تكون هناك قاعدة ما يلتقي حولها الفلسطينيون على اختلاف اتجاهاتهم.

وإذا كان كل هذا مرفوضا، والمطلوب هو فقط الاعتراف والالتزام بما قررته منظمة التحرير في السابق، والالتزام حتى بما ثبت فشله (اتفاق اوسلو)، فليتم إذا إعلان وتكريس ما هو قائم: أي إعلان إلغاء المجلس الوطني الفلسطيني كمؤسسة، واستبداله بمؤسسة المجلس المركزي الفلسطيني، وآنئذ يحق لكل مواطن فلسطيني أن يعتبر منظة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي الوحيد أم لا؟

وللأسف.. فإن أشد المتحدثين دفاعا عن منظمة التحرير الفلسطينية، هم أشد العاملين على تدمير مؤسساتها.