عندما يكون خصوم الأمس ضحايا

TT

ربما لا نتمكن من الكشف ـ تحديدا ـ عن هوية المخطط لتفجيرات بومباي العاصمة الاقتصادية للهند، غير أنها كشفت عن إحدى الحقائق الواضحة، ألا وهي أن كلا من الهند وباكستان يبدو أنهما لم يتعلما أي شيء من حادث يمثل انطلاقة لموجة جديدة من الإرهاب.

فقد ألقت الهند باللائمة على باكستان مطالبة إياها بتسليم الأشخاص المتورطين في تفجيرات سابقة، وردت باكستان بنفس الرد البالي المعتاد بلهجة معادية للهند، وتصرف الجانبان كما لو أن الأمر حدث عادي، على الرغم من أنه ليس كذلك على الإطلاق.

ويختلف ما أسماه بعض الهنود «غزو بومباي» ـ بصورة جوهرية ـ عن الإرهاب القديم الذي أصبح سمة العلاقات الهندية الباكستانية منذ الستينيات.

وكان الإرهاب في الماضي مقصوراً على كشمير في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمنية الباكستانية. وكانت إسلام أباد قادرة على إشعال أو إخماد نار الموقف كما تراها هي. ومن جانبها طورت الهند آليات، لمنع الإرهاب من تنفيذ هجماته ضد جذور ديمقراطيتها العلمانية.

ويتجاوز هذا النوع الجديد من الإرهاب حدود كشمير ويعد بأن يصبح تهديدا مستمراً للهند ككل. كما أن له أهدافا عالمية يبرزها بحثهم عن المواطنين البريطانيين والأميركيين في الأماكن التي تعرضت لهجمات في مومباي. تلك الموجة الجديدة من الإرهاب والتي لم تعد أداة في يد أسيادها في باكستان تهدد أيضا النظام القائم في باكستان.

خلال إرهاب العقود الماضية كانت الهند وباكستان على طرفي نقيض. أما في هذه الموجة الجديدة فهم على نفس الجهة. وكلما أسرعت الدولتان بفهم تلك الحقيقة ازدادت فرصهما في قتل ذلك الوحش الذي يأمل في القضاء عليهما معا.

يجب على الهند التوقف عن استغلال الهجمات كوسيلة لإفراغ شحنة الكراهية الشوفينية تجاه باكستان، وأن تعلن عن قبولها لباكستان كحقيقة لا كرمز للفرقة وخيانة للمثل الهندية العليا الأسطورية. وبدلا من التلويح بالحرب يجب على الهند أن تمد يد العون إلى باكستان لتوحيد جهودهما في محاربة الإرهاب. ومع إشراف الاقتصاد الباكستاني على الانهيار يجب على الهند أن تساعد باكستان بدلا من أن تطلق تلميحات يمكن أن تؤدي إلى تعزيز موقف أسوأ العناصر المتشددة بين نخبة إسلام أباد.

يجب على الهند أن تنظر إلى باكستان على أنها ضحية أخرى للإرهاب بدلا من النظر إليها على أنها غريم تقليدي، فالعدو الرئيس للهند اليوم هو الإرهاب.

لكن عندما يحدث كل ذلك يجب على باكستان أن تبذل جهوداً أكبر هي الأخرى، فهي التي أخرجت هذا الجني (الإرهاب) الذي تمرد على سيده الآن.

وفي الوقت الذي لايزال فيه الرئيس آصف علي زرداري يستمتع بفوزه والتأييد الشعبي يجب عليه أن يُعلم شعبه أن الظروف تبدلت، وأن استخدام المجموعات الإرهابية كأداة سياسية ضد الهند وأفغانستان كانت مقامرة خطرة تحولت إلى تهديد خطير لبلاده.

يجب أن يخبرهم أن الهند وأفغانستان لا تشكلان تهديداً مستمراً لبلادهم، بل الإرهاب هو الذي يشكل ذلك الخطر.

يجب على زرداري أن يمتلك أدوات الصدمة النفسية لإيصال هذه الرسالة. تلك الصدمة لا بد وأن تكون مصحوبة بحل جهاز الاستخبارات، وهو الجهاز الأمني الذي غذى وربّى مجموعة من الجماعات الإرهابية، كطالبان والحزب الإسلامي وجيش محمد وعسكر طيبة.

تشير أفضل التقديرات إلى أن الاستخبارات الباكستانية المعروفة بـ «آي إس آي» يعمل بها نحو 25,000 فرد. ويعتقد أن نصفهم لديه صلة أيديولوجية بالجماعات التي تهدد باكستان الآن. ولا يعتبر ذلك الأمر مفاجأة، فعندما أنشئ جهاز الاستخبارات الباكستانية في الثمانينيات على يد الجنرال محمد ضياء الحق كان دولة داخل الدولة وكانت الأيديولوجية مقدمة فيه على الكفاءة والولاء للدستور.

الاستخبارات الباكستانية هي لب نظام مكون من مؤسسات رسمية ثابتة ومنظمات غير رسمية ذات مركز واحد تشكل ما يعرف تخفيفاً بـ«مؤسسة الاستخبارات» التي تشمل دوائر من ضباط الجيش والشرطة المتقاعدين وضباط الصف الذين خدموا في الاستخبارات من قبل أو الوكالات التابعة لها. وهناك عدد من دوائر الأعمال التي برزت خلال حقبة الجهاد ضد الغزو الشيوعي لأفغانستان عندما أنفقت ملايين الدولارات عبر الاستخبارات الباكستانية بدون إشراف دقيق. أضف إلى ذلك شبكة المدارس الإسلامية التي أنشئ معظمها خلال الحرب الأفغانية، وسلسلة المنظمات الخيرية وآلاف الوعاظ المتخصصين، عندما تدرك كل ذلك ستتوصل إلى مؤسسة ضخمة من التهييج والدعاية والأعمال والإرهاب الذي لم يعد بوسع الدولة الباكستانية السيطرة عليه الآن.

وسيمكن حل أجهزة الاستخبارات زرداري من التعامل مع كل العناصر الشائنة في حكومته.

بعد ذلك يمكن لزرداري أن يعمد إلى إعادة تنظيم استخباراته بتعيين أشخاص تكون الكفاءة هي المعيار وليست الأيديولوجية. ويجب أن توضع المؤسسة الجديدة تحت إشراف البرلمان مع شفافية كاملة وقابلية للمحاسبة.

عندئذ سيواجه زرداري التحدي الأكبر المتمثل في تغيير المبدأ الدفاعي لباكستان عما كان عليه طيلة النصف قرن الماضي.

وفي هذا المبدأ، سيتم تصنيف الإرهاب على أنه العدو الفعلي بدلاً من الهند. وسيكون من الغريب أن نشير إلى احتمالية اجتياح الهند للأراضي الباكستانية أملاً في الاستيلاء عليها على أنها ضعيفة، هذا إلى جانب حلم الجيش الباكستاني بالزحف منتصرُا إلى الأراضي الكشميرية الخاضعة لسيطرة الهند.

وسيؤدي تغيير المذهب الدفاعي إلى جعل إعادة تخصيص الموارد أمراً ممكناً، وذلك من خلال الإعداد لحرب تقليدية، أو نووية حرارية وحتى مواجهة أو هزيمة حرب إرهابية أقل كثافة. ولنفكر ملياً في كون باكستان واحدة من القوى النووية السبعة في العالم، وبحوزتها خامس أكبر جيش في العالم. ومع ذلك فإنها تفتقر إلى الوحدات المطلوبة لهزيمة الوحدات الإرهابية الصغيرة العاملة جنوب وزيرستان، والتي تشكل أقل من نصف في المائة من الأراضي الباكستانية.

ونظراً لتخصيص معظم مواردها الاقتصادية، والمعنوية، والسياسية للإعداد لحرب مع عدو مفترض، ألا وهي الهند، أخفقت باكستان في اكتساب السبل المناسبة لمحاربة، وهزيمة خصومها وأعدائها الحقيقيين.

وإذا كان لدى زرداري الشجاعة، والرؤية المناسبة لاحتواء هذا الموقف الجديد المعقد، فمن المحتمل أن يكون قادراً على تعبئة، وحشد غالبية النخبة السياسية بالبلاد ـ ومنهم الخصوم السياسيين ـ لدعم إعادة تفكير استراتيجية للمذهب الدفاعي للبلاد.