«التعذيب» في السجون العربية يدعم دعاة الإرهاب في بريطانيا

TT

وصل الرجل عام 1993 مع اسرته بباسبورت ( مزور) من الامارات العربية المتحدة طالبا اللجوء السياسي ثم اعترف، بعد عام، بـ«الحقيقة» (وضعت القوسين لان الدعاة الجهاديين يخفون الحقيقة ويمارسون الخداع « كتقية»)، بان اسمه عمر محمود محمد عثمان، اردني الجنسية.

وبملء استمارة ومرافعة قصيرة نجح محاموه (اجورهم المرتفعة لا يدفعها الرجل المعروف بابي قتادة، بل الخزانة الممولة من ضرائب الكادحين) في اجبار وزارة الداخلية على منحه اللجوء السياسي تجنبا للتعذيب إذا عاد للاردن لانه مطلوب هناك.

عاد أبوقتادة الى دائر الضوء الاخبارية هذا الاسبوع بعد حكم قضائي باعادته للسجن، كان الرجل محبوسا لفترة لضلوعه المباشر في الارهاب. فالمخابرات العربية والاوروبية تسميه «السفير الدائم» لاسامة بن لادن في اوروبا. ووجدت «كاسيتات» تحمل فتاويه وتعليماته ليس فقط التي تبرر الارهاب (الذي يسميه خطأ «الجهاد») بل يحث عليه كـ«فرض» على المسلمين ضد «الكفار» ـ اي الآخرين.

عثر على الادلة في هامبورج ضمن مقتنيات المشاركين في عدوان 11 سبتمبر 2001 على الاف العاملين في برجي مركز التجارة العالمي من مختلف الجنسيات والعقائد (بمن فيهم مسلمون) لم يسمع معظمهم بالقاعدة وقتها او شعاراتها المجنونة.

نجح محامو ابوقتادة في اقناع اعلى سلطة قضائية بريطانية «قضاة اللوردات» بالغاء حكم المحكمة العليا بترحيله، بحيثيات انه «ربما» يواجه التعذيب في الاردن، وربما الاعدام، وهو انتهاك لميثاق الاتحاد الاوروبي الذي وقعته بريطانيا كمعاهدة الزامية.

ثم كسب محاموه حكما باستبدال السجن بالاقامة الجبرية في منزله وحظر استخدامه التليفون والانترنت ومنحه ساعتين في اليوم للتجول في الحي والتبضع. منزله يقدر بـ 800 الف جنيه (1.5 مليون دولار)، وتتلقى اسرته معونات 50 الف جنيه سنويا ( اعلى من راتب طبيب يعمل 18 ساعة يوميا).

انتهك ابوقتادة شروط الاقامة الجبرية عندما ضبط متلبسا باستخدام التليفون الموبايل والانترنت للاتصالات بعناصر جهادية مشبوهة ( كان التليفون مراقبا بامر قضائي كالمتوقع) يجهز مؤامرة للهرب ويعطي فتاوى تبرر جرائم جديدة.

ونجحت الداخلية هذا الاسبوع في اقناع المحكمة باعادته للسجن.

التقى ابوقتادة مرات بالمخابرات MI5 في التسعينات ليعرض مساعدته كعرفان بجميل منحه للجوء السياسي، واعدا «بمنع وقوع هجمات ارهابية على اراضي بريطانية». وهذا الوعد من اهم الانتقادات التي وجهتها المخابرات الامريكية والمصرية واخرى شرق اوسطية، لبريطانيا، التي اسمتها «لندنستان» لرفضها تسليم قائمة طويلة من المطلوبين للعدالة في بلدانهم او صدرت ضدهم احكام غيابية تتراوح بين الاعدام والسجن مع الاشغال الشاقة.

اتضح بعد عدوان 11 سبتمبر على نيويورك ان ابوقتادة كان من المخططين، وانه معروف للرأي العام البريطاني اليوم بانه ضمن دعاة الشر وأئمة الكراهية.

«دروسه الدينية» جهزت ريتشارد ريد (صاحب الحذاء المفخخ) ذهنيا وروحيا للعملية الانتحارية المجنونة التي فشلت، كما انه سيطرعلى تفكير زكريا موسوي الضالع في مؤامرة 11 سبتمبر.

فرصة الحكومة البريطانية في ترحيل ابوقتادة الى الاردن شبه معدومة، فمحاموه، ينجحون في اقناع المحكمة بان ترحيله ينتهك ميثاق حقوق الانسان لا الامن في بلاده يمارس التعذيب ضد المتهمين للحصول على اعترافات، يعتبرها قضاء بلاده «ادلة ادانة»، بينما لا تعتبر المحاكم الانجليزية اعترافات المتهم اثناء استجواب البوليس ادلة جنائية بل تعتمد على ادلة مادية وشهادة الطبيب الشرعي والاخصائيين وشهود عيان. كما لا يمكن ترحيل متهم قد يواجه حكم الاعدام الذي الغي من جميع بلدان الاتحاد الاوروبي. وحتى اذا كسبت الحكومة قضية الترحيل، سيلجأ محامو ابوقتادة للمحكمة الاوروبية التي ستلغيه بالتاكيد.

اذن سيبقى ابوقتادة، سواء في السجن او منزله جبريا مكلفا الخزانة 150 الف جنيه ( 290 الف دولار) سنويا بين حراسته ودعم اسرته من ضرائبنا.

ابوقتادة نموذج لكوكبة من أئمة الشر ودعاة الكراهية ( وكانوا سببا مباشرا في افساد اذهان شباب تحولوا لقنابل انتحارية كمرتكبي جريمة 7/7 في مترو الانفاق واخرى احبطتها الشرطة). مطلوب ترحيل هؤلاء «المفسدين في الارض ( ينطبق عليهم التعريف الذي ورد في القرآن )» لمواجهة العدالة في بلادهم الاصلية.

قائمة طويلة من امثال ابوقتادة كياسر السري ( محكوم عليه غيابيا بالاعدام في مصر لتدبير وتنفيذ عمليات قتل ارهابية)، وابوحمزة المصري (المطلوب للعدالة في اليمن والولايات المتحدة)، وقائمة طويلة من «لاجئين سياسيين» تطلبهم بلدانهم كمصر والسعودية والجزائر والاردن وتونس والبحرين واليمن والولايات المتحدة. بعضهم مطلوب للمحاكمة في قضايا ارهابية متعددة، والبعض الاخر صدر عليه الحكم غيابيا بوجود ادلة قبلتها المحكمة. المفارقة ان جميع هؤلاء الدعاة دون استثناء يروجون في خطبهم لتدميرالنظام الديموقراطي الذي تحميهم عدالته القضائية من الترحيل لسجون «مسلمين مثلهم» ويفتون بان الديموقراطية كفر يناقض الشريعة وحكم الله وينادون بخلافة اسلامية رأينا نموذجها المصغر في «امارة افغانستان الاسلامية» تحت حكم الطالبان الذي اعدم الحلاقين وجلد النساء ودمر الاعمال الفنية.

الحيثيات التي يقدمها محامو متهمين تطلبهم بلدان عربية لقضاء العقوبة، هي ان ادلة ادانتهم في بلادهم حصل عليها الادعاء بالتعذيب، بشهادة منظمات كالعفو الدولية واطباء بلا حدود وهيومان رايتس ووتش. الحيثيات نفسها المقدمة لمنع ترحيل متهمين مطلوب محاكماتهم في بلدان عربية، ودائما ترفض المحكمة قرار الترحيل.

المشكلة الاخرى ـ وتشمل امريكا والدول العربية ـ هي عقوبة الاعدام في قانون الجنايات ( التي تسميها الصحافة هنا ومنظمات حقوق الانسان بـ«الاغتيال القضائي») وايضا ينجحون في اقناع القضاة برفض ترحيلهم.

ولن تتمكن بريطانيا من ترحيل اي من هؤلاء الا بحل الدول العربية هذه الاشكالية، مثلا اصدار قرارات ادارية بوقف التعذيب. وتتولى منظمات غير حكومية وهيئات مستقلة عن وزارات الداخلية ومصلحة السجون ومنظمات غير مدنية مراقبة تنفيذ هذا القرار وتراقب عمليات الاستجواب ولها صلاحية التحقيق مع الضباط المسؤولين عن التعذيب واحالتهم للنيابة ومحاكمتهم علنا؛ فلن تصدق جمعيات المحاماة البريطانية والمنظمات العالمية احترام الحكومات العربية لحقوق الانسانٍ، ولذا فممارسة الامن في البلدان العربية التعذيب وانتهاكه لحقوق الانسان، تعرقل الحرب العالمية ضد الارهاب، بابقاء «لندنستان» حية وناشطة رغم انف حكومتها.

تجربة السعودية باعادة تأهيل الارهابيين العائدين من العراق وافغانستان، رغم تكاليفها المادية العالية بدلا من التعذيب في السجون نموذج يمكن تكراره في البلدان الاخرى اذا كنا جادين في مواجهة الارهاب.

وقتها ستنجح حكومة بريطانيا في ترحيل المطلوبين للعدالة ويطمأن المحامون لعدم تعرض موكليهم للتعذيب. المستفيد الاول ابناء وبنات الجيلين الثاني والثالث من المسلمين المهاجرين لانقاذ عقولهم من التلوث الدموي الذي يحقنه ابوحمزة وابوقتادة وأمثالهما، وإبقائهم مواطنين صالحين.