دائرة مفرغة.. هل تلتزم أوروبا بدولة القانون؟

TT

أربعة احكام صدرت عن المحاكم البريطانية والاوروبية، والفان من نواب الشعوب الاوروبية يعلنون ان حركة المقاومة الايرانية حركة شرعية بعيدة عن الارهاب، لكن فرنسا تريد ابقاء هذه الحركة في القائمة. لماذا؟

منذ ان كنا صغاراً وكنا ندرس في المدارس الابتدائية تعلمنا ان فرنسا تعد دولة القانون، بمعنى ان هذا البلد، شأنه شأن بعض الدول الغربية الاخرى، يعيش الناس فيه تحت مظلة وحماية القوانين الموضوعة، والاحكام ايضاً تصدر في اطار القوانين. وكنا على علم بان هذا المبدأ اكبر ميراث للثورة الفرنسية الكبرى عام 1789. الثورة التي كانت شعاراتها الثلاثة، الحرية والمساواة والاخوّة. بعد ذلك تعلمنا ان في عام 1789 تمت صياغة بيان تاريخي في فرنسا بعنوان «بيان حقوق الانسان وحقوق المواطنة»، وتنص المادة الثانية من هذا البيان على ان حق المقاومة امام الحكومات الاستبدادية تعدّ من الحقوق المقدسة غير القابلة للمساس.

لكنني رأيت في هذا العام ان الحكومة الفرنسية ليست لا تلتزم بهذه الشعارات وهذه المبادئ فحسب، بل تدهس جميع ما ورثه هذا الشعب من تاريخه الثري، من اجل المصالح الوقتية السياسية والاقتصادية، وهذا ما يؤلمني بصفتي شخصاً درس في المدارس الفرنسية، وتواقّاً للقيم التي حملتها الثورة الفرنسية للعالم وللانسانية جمعاء.

وكيف حدث ذلك؟ استخدمت فرنسا امكانياتها الدبلوماسية والسياسية من اجل قمع حركة المقاومة الايرانية ـ مجاهدي خلق ـ ووضعها مرة اخرى في قائمة الارهاب الاوروبية، وذلك بعدما تمكنت هذه المقاومة من تكريس حقها امام القضاء البريطاني، ودفع البرلمان البريطاني والحكومة البريطانية لالغاء صفة الارهاب عنها، وبذلك لم يبق لادراج هذه الحركة في القا?ئمة الاوروبية اي اساس.

ويطيب لي ان انقل وقائع هذا الموضوع للقارئ العربي، لانني اعتقد انّ فيها درسا والف درس.

ماذا حصل؟ في عام 1997 وفي عهد كلينتون، وضعت وزارة الخارجية الامريكية منظمة مجاهدي خلق الايرانية في قائمتها للمنظمات الارهابية. وبعدها بفترة صرّح احد كبار المسؤولين في الخارجية لصحيفة «لوس انجلس تايمز»، ان هذه المبادرة جاءت مباركة للر?ئيس «المعتدل» المنتخب الجديد محمد خاتمي.

وفي سبتمبر (ايلول) من عام 2001 حدث ما حدث في نيويورك وواشنطن من كارثة انسانية وجريمة لا يستطيع احد تبريرها. بعدها بفترة قصيرة صادق مجلس الأمن الدولي على قرار بضرورة تجميد رؤوس اموال من له صلة بالارهاب. وبعدها بفترة اقصر في العام نفسه قرر الاتحاد الاوروبي تطبيق قرار مجلس الأمن في الدول الاعضاء في الاتحاد. لكن اسم منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الايرانية لم يظهر في هاتين القائمتين.

وفي الفترة نفسها صادق البرلمان البريطاني عام 2000 على قانون المنظمات المحظورة. وفي شهر مارس (آذار) من عام 2001 قررت الداخلية البريطانية ادراج مجاهدي خلق في قائمة المنظمات المحظورة. وبعد بضع سنوات جاء وزير الداخلية آنذاك ووزير العدل حاليا جاك سترو ليعترف بانهم قاموا بذلك تلبية لطلب ايراني. (اذاعة البي بي سي الاول من فبراير (شباط) عام 2006).

وبعدها بعام، اي في شهر مايو (ايار) من عام 2002، تقدمت الحكومة البريطانية بطلب الى الاتحاد الاوروبي لادراج حركة المقاومة الايرانية في القائمة الاوروبية ايضاً، وبذلك اصبحت منظمة مجاهدي خلق الايرانية (وليس المجلس الوطني للمقاومة الايرانية الذي استثني صراحة) ضمن قائمة المنظمات الارهابية للاتحاد الاوروبي.

وقد صرح السفير الاسباني في طهران آنذاك، ان ذلك كان ضمن الطلبات الرئيسة الثلاثة، التي وضعتها طهران على طاولة المفاوضات مع الاوروبيين. (حديث السفير الاسباني مع صحيفة انتخاب الايرانية 28 اكتوبر (تشرين الاول) 2002).

فلا شك ان عملية ادراج المقاومة الايرانية في قائمة المنظمات الارهابية لم تأت من منطلق مكافحة الارهاب، بل الهدف هو اعطاء هدية للنظام القائم في طهران، وفي المحصلة تشجيع الارهاب من قبل هذا النظام. لانني على قناعة بان اكبر حركة في العالم المعاصر تعمل ضد الارهاب هي حركة مجاهدي خلق الإيرانية. لان العالم كله اجمع بان النظام الحاكم في ايران هو اول دولة راعية للارهاب، فحركة المعارضة الرئيسة لهذا النظام بطبيعتها هي المكافح الاول للارهاب، هذا هو المنطق. لكننا اذا طبقّنا هذا المنطق على ارض الواقع ايضا نجد انه لو لم تكن (لا سمح الله) حركة المقاومة الايرانية لتقف في وجه هذا النظام الارهابي التوسعي المتطرف، لكان يسيطر حتى الآن على ربوع الشرق الاوسط، من دون ادنى شك.

لنعد مرة اخرى الى نقل الوقائع التاريخية: في عام 2002 بدأت نشاطات المقاومة الايرانية تتمحور في ثلاثة محاور لمواجهة هذا الموقف الاوروبي ـ الايراني على ثلاثة صعد: السياسي والقانوني والاجتماعي.

لا شك في ان الصعيد السياسي، بمعناه الحكومي والرسمي صعيد جرز لمقاومة مستقلة ليس له رأسمال سوى شعبه المقموع وارادة ابنائه ودماء شهدائه. لكنها وجدت لدى عديد من نواب الشعوب الاوروبية تلبية لمناداتها؛ حيث ان اغلبية عديد من البرلمانات في مختلف الدول الاوروبية ايدت هذه الحركة الشرعية، بينها اغلبية النواب في الجمعية الوطنية الفرنسية، واغلبية النواب والشيوخ في مجلسي النواب والشيوخ في ايطاليا، واغلبية النواب البريطانيين، وفي النروج وبلجيكا وهولندا وغيرها، حيث اصبح اكثر من الفين من نواب البرلمانات الاوروبية يؤيدون هذا المطلب، اي ضرورة الغاء صفة الارهاب عن المقاومة الايرانية. كما ان هناك كبار الشخصيات السياسية في مختلف هذه الدول تؤيد هذا المطلب ايضا.

وعلى الصعيد الاجتماعي تحركت المقاومة بين ابناء شعبها الذين يعيشون في الشتات والمهجر. ففي عديد من المناسبات خلال هذه السنوات، ولاكثر من عشر مرات، جاء عشرات الآلاف من ابناء الجالية الايرانية من الدول الغربية لتأييد هذه المقاومة ولتقول للعالم بان هذه المقاومة مؤيدة من قبل ابناء شعبها. وكان آخر هذه التجمعات في صالة فيلبنت الباريسية في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام، الذي شارك فيه ما يقرب من سبعين الف ايراني من فرنسا، ومن مختلف الدول الاوروبية، كما شارك فيه حوالي الف من نواب البرلمانات وشخصيات سياسية من الدول الغربية والعربية والافريقية ايضا. ولانني شاركت تقريبا في معظم هذا الاجتماعات خلال السنوات الخمس الاخيرة اعرف جيدا نوعية الشعور الذي يعبر عنه الايرانيون تجاه قادة مقاومتهم. ان الايرانيين وجدوا في قادة المقاومة من يعبّر عن عمق سخطهم تجاه النظام الحاكم في ايران، ومن فيه الكفاية لقيادة النضال من اجل اسقاط هذا النظام واقامة حكم ديمقراطي انساني في ايران.

اما الصعيد الثالث الذي تحركت فيه المقاومة الايرانية خلال هذه السنوات، فهو الصعيد القانوني. حملة جبارة فريدة من نوعها استطاعت استقطاب آلاف من كبار رجال القانون والمحامين في مختلف الدول الاوروبية وفي امريكا ايضا. وهؤلاء الشخصيات، وفي عشرات الندوات ومن خلال عشرات النظريات الحقوقية العميقة اثبتوا أحقية هذه الحركة في توجهاتها ومواقفها واعلنوا ان ادراج هذه الحركة في قا?ئمة الارهاب ظلم وتعسف وانتهاك للمبادئ، التي بني عليها اساس مكافحة الارهاب. ولا اريد ان ادخل في التفاصيل في هذا المجال، لكنني اشير الى بعض الشخصيات من هؤلاء الذين وقفوا مع المقاومة الايرانية في نضالها من اجل الديمقراطية والحرية. الاول هو البروفسور آنتونيو كاسيس الذي كان ر?ئيس المحكمة الجنائية الدولية السابق ليوغوسلافيا لمدة ثلاث سنوات، وهو الذي أوكل له الامين العام للامم المتحدة دراسة قضية دارفور في غرب السودان وابداء الرأي في هذا المجال، حيث اصبح تقريره المرجعية في التعاطي مع احداث دارفور. وليس هناك من يعمل او يدرس او يدرّس في مجال القانون الدولي ولا يعرف شخصية البروفسور كاسيس. والشخصية الثانية هو اللورد جوردون اسلين الر?ئيس السابق للمحكمة الاوروبية في لوكسمبورغ ومن كبار القضاة في مجلس اللوردات البريطانية، الذي يعتبر من اشهر رجال القانون في العالم. وهناك من امثالهما على الصعيدين النظري والعملي، كالبروفسور محمد شريف البسيوني مصري الاصل، الذي كان من مؤسسي المحكمة الجنائية الدولية، او اللورد آرتشر الذي كان النائب العام لبريطانيا واللورد فريزر، الذي النا?ئب العام لاسكوتلندا. كما ان عشرات المحامين الذين يعتبرون اول البارعين في المحاماة في مختلف الدول الاوروبية وامريكا يتولون الدفاع عن هذه القضية.

وكان من نتاج هذه الحملة القانونية ان المقاومة الايرانية استطاعت تكريس موقفها في بريطانيا، كما انها فازت في محاكمتين في المحكمة الاوروبية ايضاً.

ففي 30 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي اصدرت محكمة خاصة في لندن «لجنة الاستئناف للمنظمات المحظورة» لصالح مجاهدي خلق وضد وزارة الداخلية البريطانية. ان هذه المحكمة وبعد حوالي سبعة اعوام من الدراسة والنقاش والمداولة، وبعد اكثر من عشرة ايام من جلسات المحاكمة في حكم مكوّن من 144 صفحة و362 بنداً، اعلنت ان موقف وزير الداخلية البريطاني بعدم الموافقة مع شطب مجاهدي خلق من قائمة الارهاب كان موقفا غيرعقلاني! واعلنت ان دراسة جميع الوثائق تشير الى ان مجاهدي خلق لا علاقة لهم بالارهاب.

وبذلت الحكومة البريطانية كل ما بوسعها لمنع تطبيق هذا الحكم والتجأت في البداية الى هذه المحكمة لتقديم الاستئناف لكن المحكمة رفضت طلبها. فقدمت الطلب الى محكمة الاستئناف، لكن الطلب قوبل بالرفض مرة اخرى، حيث اصدرت محكمة الاستئناف البريطاني وبر?ئاسة اللورد فيليبس قاضي قضاة بريطانيا حكما باتّا في السابع من مايو عام 2008 برفض طلب الحكومة. واعلنت هذه المحكمة انها درست الوثا?ئق السرية التي قدمتها الحكومة ايضاً، لكن هذه الوثا?ئق تعزّز الموقف بان مجاهدي خلق غير ضالعين في الارهاب.

فجاء بعد ذلك دور البرلمان البريطاني، حيث صادق البرلمان في 23 يونيو 2008 بشقيه ـ مجلس العموم ومجلس اللوردات ـ باجماع الآراء لصالح حكم المحكمة وبشطب مجاهدي خلق من قائمة الارهاب. بعد ذلك ارغمت الحكومة البريطانية ان يصدر قرارها بشطب مجاهدي خلق من القا?ئمة السوداء.

لا شك في ان هذه العملية كانت نتاج عشرات آلاف الساعات من العمل الدؤوب من قبل كوادر المقاومة الايرانية ومن يؤيدهم ويحميهم من الخيرين والشرفاء من اعضاء البرلمان البريطاني. كما لا يخفى ان هذا النجاح الكبير جاء بفضل دخول خمسة وثلاثين عضواً من البرلمان على الخط وتبنّيهم هذه الحملة ووقوفهم في الخط الامامي. لانهم هم الذين قدموا الشكوى ضد حكومة بلدهم وفي المحكمة، واعلنوا باننا نريد تأييد مجاهدي خلق، لكن هذه القائمة تمنعنا من القيام بما نريده من التأييد. فاصبحوا هم الشكاة في هذه القضية.

ولان بريطانيا كانت الدولة التي طلبت من الاتحاد الاوروبي ادراج مجاهدي خلق في القائمة الاوروبية، فبعد هذه المراحل لم يعد يبقى اي اساس لابقاء مجاهدي خلق في القائمة. ولم يكن امام الاتحاد الاوروبي بدّ في انهاء اللعبة.

هنا ظهرت فرنسا فجأة وحملت معها ما كان في جعبتها منذ خمس سنوات، وجاءت لتملأ الفراغ الذي حصل بفعل خروج بريطانيا من ساحة المواجهة مع المعارضة الايرانية. ولانني قد حضرت معظم الاجتماعات التي انعقدت في باريس وفي بروكسل وغيرهما فكنت اتابع الموضوع عن كثب. ففي الايام التي شاهدنا تراجع البريطانيين امام حكم القانون وحكم المحكمة سمعت ان فرنسا تريد ان تأخذ زمام المبادرة في هذا المجال، لكنني لم اكن اصدق هذا الكلام. عندما سمعت اعضاء البرلمان الاوروبي، الذين كانوا يتابعون هذا الموضوع، انهم ينذرون حول ما بدأ يدّب في سرادق وكواليس بروكسل بدخول فرنسا على خط المواجهة مع مجاهدي خلق، لم اكن اصدق وكنت احاول ان اجد مبرّرا لهذه الشائعات. لكنني يوماً ما سمعت الخبر بكامله بانه نعم فرنسا وخلافاً لكل ما يعني القانون ودولة القانون ودهساً لجميع المبادئ طلب من الاتحاد الاوروبي ابقاء مجاهدي خلق في قائمة المنظمات الارهابية. والتبرير الفرنسي هو ان مجاهدي خلق ملاحقون في فرنسا بتهمة الارهاب! مما يعني ان الهجوم الذي شنته الشرطة الفرنسية على مقارّ المقاومة الايرانية عام 2003 مباركة للملالي أتوا بها لجني ثمارها مرة ثانية، حيث لم يتردد احد لا في فرنسا ولا في الدول الاخرى ان ذلك الهجوم على معارضة نظام فاشي لم يكن الا بدافع الصفقات التجارية وملياردات الدولارات التي كسبتها الشركات الفرنسية الكبرى بشكل عام وشركة توتال بشكل خاص كان وراء ذلك الهجوم المخجل. ولا معنى لابقاء هذا الملف حيا في اروقة قصر العدل الفرنسي ـ وقسم مكافحة الارهاب ـ الا لتحبيب الملالي واسترضا?ئهم. لان جميع المحامين اعلنوا عدة مرات وكتبت جميع الصحف الفرنسية نقلا عنهم بان لا شيء جادا في هذا الملف. فكلما استمر هذا الملف استمر لصالح الشركات الفرنسية في صفقاتها التجارية مع ايران.

فكيف وان فرنسا تريد في الوقت الحالي ان تستغل هذا الملف الفاضي. ماذا يعني ذلك؟ خاصة اذا شاهدنا ان المحكمة الاوروبية ايضاً قد اصدرت حكمين خلال هذه السنوات واعلنت عن ضرورة الغاء صفة الارهاب عن مجاهدي خلق. ولانني شاركت جلسات المحاكمات واعرف جيدا وقائعها فاقول بان الملف الفرنسي لا يحمل شيئا جديداً، لان موضوع هذا الملف طرح مرة في اول جلسة للمحكمة الاوروبية في لوكسمبورغ في 7 فبراير 2006، وقد رد ممثل الاتحاد الاوروبي بان الاتحاد اخذ في الاعتبار الملف الفرنسي ايضاً.

ومحكمة العدل الاوروبية اصدرت حكمها في 12 ديسمبر (كانون الاول) 2006 ونص على الغاء القرار القاضي بادراج مجاهدي خلق في القائمة، لكن الاتحاد الاوروبي ومن خلال مبررات لم يطبق هذا الحكم، فرفعت المقاومة الايرانية شكوى ثانية وبعد المداولات القانونية عقدت المحكمة جلستها في 6 مارس من العام الحالي وبعد سبعة اشهر اصدرت حكمها في 23 اكتوبر ايضا بالغاء آخر قرار صدر عن الاتحاد الاوروبي ضد مجاهدي خلق.

اذن، امامنا اربعة احكام، اثنان من المحاكم البريطانية واثنان من محكمة العدل الاوروبية، فيا ترى بعد كل ذلك تريد فرنسا ان تحول دون تطبيق هذه الاحكام.

واعتقد ان هذه المبادرة الفرنسية تأتي:

اولا ضد مصالح الشعب الايراني، حيث ان معناها بقاء المعارضة المؤثرة الرئيسة للنظام الحاكم في قائمة الارهاب، مما يعني استمرار وتأييد الاعدام والقمع في ايران، وتأييد تصدير الارهاب والتطرف الى مختلف الدول وتأييد المشروع الايراني للحصول على السلاح النووي.

ثانيا هذه العملية ضد مصالح اوروبا لان فرنسا من خلال ذلك تدهس حكومة القانون وترفض مطالب الشعوب الاوروبية، لان اكثر من الفين من اعضاء البرلمانات الاوروبية، الذين يمثلون شعوب اوروبا، اعلنوا منذ اقل من عام ضرورة الغاء صفة الارهاب عن مجاهدي خلق، من بينهم اغلبية النواب في البرلمان الفرنسي، واغلبية نواب المجلس الايطالي واغلبية اعضاء مجلس الشيوخ الايطالي ايضا، واغلبية النواب البلجيكيين واغلبية نواب البرلمان البريطاني ومئات الاعضاء من البرلمانات الاوروبية الاخرى.

ثالثا هناك سؤال يفرض نفسه: ماذا يحدث؟ هل «جمهورية فرنسا»، بكل ما تحمله هذه الكلمة، هي التي تريد هذه العلمية؟ لا شك بان الجواب سلبي. بل يمكننا ان نقول بان هذه العملية تأتي لصالح بعض العصابات الاقتصادية وهي التي تحكم في الامر. لانه لا شك بان النظام الايراني نظام هشّ لا يحتمل ادنى شيء من المعارضة الداخلية، ناهيك من المعارضة الرئيسة التي تدعو الى اسقاط هذا النظام. وللتدليل على ذلك يكفي ان نلقي نظرة الى ما كتبته صحيفة «وول ستريت جورنال» الامريكية في 8 مايو 2008 نقلا عن دبلوماسيين مشاركين في المفاوضات بين الدول الغربية وايران بان السلطات الايرانية وفي مفاوضاتها مع الدول الغربية حول المشروع النووي والقضايا الاخرى تطلب بالحاح قمع مجاهدي خلق في هذه الدول، وان هذا الموضوع يعتبر ذا اولوية بالنسبة لها.

وهنا اريد ان اجلب انتباه القارئ الى الفصل الرابع عشر من كتاب «لبنان رهائن الكذب» بقلم ايف بونه الرئيس السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا (ال دي . اس. تي)، انه يشرح في هذا الكتاب مدى العلاقات الاقتصادية والاتفاقيات النفطية والتجارية بين النظام الايراني في فرنسا مع هجوم الشرطة الفرنسية على مقارّ المقاومة الايرانية والتطورات القضا?ئية ضد قادة المقاومة في فرنسا. ولا شك ان الكاتب رجل يعرف جيداً ما يقول وانه يكتب معلومات دقيقة وتفصيلية بان ما يجري فى الساحة هو نتاج المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقيات التجارية.

وهذا هو السرّ الذي لا يمكن لشخص مثلي ان يقبله، لانني اعتقد ان الحكومة الفرنسية بهذا الاسلوب تضرب عرض الحائط جميع القيم وجميع المكونّات لجمهورية دامت منذ الثورة الفرنسية متميزة بها.

* رئيس وزراء الجزائر الأسبق