المستر ميركل

TT

منذ فوز السيدة أنجيلا ميركل بمرتبة مستشار ألمانيا، خليفة كونراد أديناور وفيلي برانت، وأنا تأمل في حال الجمهوريات العربية. في البداية تساءلت، كيف يمكن لأهم شعب صناعي في العالم، أن ينتخب هذه السيدة المتمادية في العادية والبساطة. لا تاريخ. لا لون. لا جمال. ولا حتى حقيبة نسائية شبيهة، على الأقل، بحقيبة مارغريت ثاتشر. ومع ذلك، يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، رأينا السيدة ميركل تدير شؤون أهم بلدان أوروبا، وبكل جدارة.

وظلت مستشارة ألمانيا تمشي وتستقبل الزعماء وتحضر المؤتمرات وهي من دون حقيبة نسائية، كأنها مديرة التدبير المنزلي في فندق من ثلاث نجوم. وعندما انتخب نيكولا ساركوزي رئيساً كانت أول زيارة قام بها إلى عزيزتنا ميركل. وقبل عزيزتنا ميركل وصل إلى منصب المستشار في بلاد بسمارك وغوته وفون براون وبتهوفن، مشرد سابق يدعى غيرهارد شرودر. وكان وزير خارجيته، السيد يوشكا فيشر سائق تاكسي سابقاً في برلين، درس تاريخ ألمانيا والعالم في أوقات انتظار الركاب.

ومنذ أربعين عاماً إلى الآن، شاهدت كصحافي وقارئ ومسافر، تغير أربعة رؤساء وزراء في بريطانيا، وذهاب ديغول وثاتشر وبرانت وايامون دوفاليرا في ايرلندا وتغير نحو سبعة زعماء سوفيات وخمسة أمناء عامين للأمم المتحدة والانتقال من عصر أم كلثوم إلى زمن هيفا وهبه، ومسألة الرئاسة وحدها في العالم العربي لا تتغير. لا رديف ولا بديل ولا مستر ميركل.

يذهب الرؤساء في هذا العالم ويأتون ووحدها جمهوريات هذه الأمة نسيت بكل طيبة خاطر قوانين الجمهوريات وتقاليدها وعاداتها السيئة التي أطاحت ديغول بعد عشر سنوات وأرغمت فيلي برانت على الاستقالة وأقالت ريتشارد نيكسون ومنعت جيسكار ديستان من التجديد بسبب عقد ماسي من الإمبراطور جان بيدل بوكاسا، المؤهل السابق في الجيش الفرنسي. وألتزم الصمت هنا لأن ابنته من زوجته اللبنانية أصبحت رسامة في بيروت تدعو الناس إلى معرض لوحاتها. ولا يمكن لها أن تضيع لأنها تحمل اسم الرجل الذي حكم جمهورية أفريقيا الوسطى وأوصى على صولجان من الذهب الخالص ووضع على رأسه اكليل نابوليون. ومع ذلك ظل المسكين مؤهلا في الجيش الفرنسي. ولجمهوريات هذا العالم تقاليد وأنظمة. وقد عثر الألمان في العقود الأربعة الماضية على نحو 20 مستشاراً، بين شرق وغرب، ونحن بالروح بالدم.