«ثانك يو»

TT

الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في بيروت لكي يعرض علينا المساهمة في مراقبة الانتخابات المقبلة في حزيران. أولا شكرا لهذا الرجل المتقدم في السن يقطع المسافة من ولاية جورجيا متبرعاً بإعطائنا شهادة حسن سلوك. وشكرا ثم شكرا. لكن الذي لا أفهمه كيف يستطيع الرجل، ومعه فرقة من عشرة أشخاص، أن يراقب في أدغال أفريقيا وغابات أميركا الجنوبية؟ ولست أفهم لماذا خرج من جميع الانتخابات التي «راقبها»، مسرورا، باسما ابتسامته الناصعة مثل دعاية «كولغيت»، ولم يعثر على مخالفة أو رشوة أو إكراه أو ضغط في أي مكان.

وإذا كان المستر كارتر يبحث عن عمل لطرد سأم التقاعد فليبحث عن عمل غير موسمي في هذا العالم الديمقراطي الممتد من فنزويللا إلى غزة مرورا بالعراق. ثم أننا في لبنان ديمقراطية «غير شكل» تعرف بالديمقراطية التوافقية. أي لا معنى لفوز الأكثرية لأن الأقلية تشارك في الحكم. ونحن بلد تحكم فيه الموالاة والمعارضة معاً، ونسمي ذلك وحدة وطنية. وإذا كانت المعارضة خارج الحكم تسمي الموالين أميركيين وصهاينة. وفي أحسن الحالات يسمون «واوية» وسقايات، أي سحالي.

وكيف ستعرف الفرقة الكارترية السقايات والصهاينة من الأبطال والقوميين. ثم أننا بلد ينتخب فيه الموتى بأعداد غفيرة. وأحيانا أكثر من مرة في اليوم الواحد، فمن أين لفرقة كارتر أن تميز بين هويات الأحياء وهويات الأموات. والصور لا تنفع لأنه من الممكن تزويرها بسهولة، بالإضافة إلى أنه يخلق من الشبه أربعين، خصوصاً بين الأقارب.

تبدو جماعة كارتر وكأنها جمعية خيرية لتوفير الإفادات وليست هيئة جدية أو ذات مصداقية. والقضية الكبرى في انتخابات العالم الثالث ليست تزوير أوراق الاقتراع بل تزوير الوعي والعقول وتقاليد الاختيار. ولا يزال الفقير في هذا العالم يقترع للرشوة العابرة لا لمصلحة الناس والبلد. ولذلك تتكرر زمر الجهلة والمشبوهين والتبعيين والذين ليس لهم أي حضور برلماني أو أي عمل وطني من أي نوع.

الناخب في العالم الثالث لا يُحمى من التزوير بل من المرض الجماهيري الذي يتلاعب به كدمية مطاطية تعبأ قبيل الموعد بأي شيء. وبالشيء وعكسه. وتستعبدها الأمزجة والتحولات والتغيرات. ويقودها ذوو المصالح والمطامع إلى حتوفها وخرابها وخراب أوطانها. ويقظة الشعوب لا تأتي من الخارج، مهما كانت النوايا حسنة، بل تأتي عندما يغير الناخب هذا الطقم التزويري من ممثليه وليس عندما يضمن عدم تزوير الاقتراع.