أوباما ليس أسود.. إنه نصف أبيض

TT

إذا لم نستخدم القاعدة الأميركية القديمة في وصف كل من يدخل في نسبه العنصر الأفريقي بأنه أسود، فإن رئيسنا الجديد ليس أسود.

نحن نطلق عليه ذلك ـ كما أطلق هو على نفسه ـ لأننا استخدمنا اللغة التاريخية والمنطق. وبعد 300 سنة من التاريخ المليء بالصعاب، لا نزال نستخدم تلك القاعدة العنصرية القديمة، ما كان أسود في بعضه فهو أسود في مجمله، ولا يوجد تعريف وسط. كان ذلك هو انطباعي عندما قرأت ذلك على صدر الصفحة الأولى في «واشنطن بوست» في أعقاب فوز أوباما «أوباما يصنع تاريخا: أميركا تنتخب بكل حسم أول رئيس أسود».

لكن أوباما بالنسبة لي وللكثيرين من الملونين ليس أول رئيس أسود، إنه أول رئيس مزدوج العرق، مزدوج الثقافة، إنه أكثر من تجسيد لإنجاز الشخصية الأفرو ـ أميركية، وهو الجسر بين عرقين، ومثال حي للتسامح وإشارة واضحة على ضرورة التخلي عن التمييز العرقي.

الحقيقة أن هناك الكثير الذي يوجب الاحتفال بفوز أوباما، كفوز للشخصية الأفرو ـ أميركانية، فالمعركة الانتخابية الشرسة التي خاضها وفاز فيها باسم الحريات المدنية عدلت دستورنا ومنحتنا الإحساس بقدرة أقلياتنا على الوصول إلى ذلك المقعد. ونحن الأميركيين ذوي الأصول اللاتينية العرق الأكثر اختلاطا بأجناس العالم، ندين بمكاسبنا التي حققناها إلى الرواد الأفرو ـ أميركيين مثل روزا باركس ودبليو إي بي ديو بويس ومارتن لوثر كنغ.

وارتقاء أوباما للسلطة أكثر من مجرد انتصار للسود، فهو مثال على تحول كبير يحوي نتائج أكبر، فقد أصبح العالم أكثر اندماجا وأكثر اعتمادا على بعضه البعض إلى الدرجة التي لم تمنعه من تجاهل تلك الحقيقة البارزة: فالبنوك والموارد البشرية والأمراض التي تصيب البشرية تشكل في مجملها شبكة عالمية معقدة، ولا أعتقد أن أحدا بإمكانه أن يقيّم تلك التجربة أفضل من الأميركيين ذوي الأصول اللاتينية.

لم أعلم بحقيقة هويتي متعددة الأعراق سوى منذ شهور قلائل عندما تلقيت نتائج تحليل الصبغة الوراثية الـ«دي إن إيه». كنت اعتقد أنني أجمع بين نصفي الكرة الشمالي من أميركا الشمالية ونصفها الآخر من أميركا اللاتينية. لكن ما أدركته بعد ذلك هو أنني أجمع في نسبي بين الهندو ـ أوروبي والأفريقيين السود والشرق آسيويين والمواطنة الأميركية، لقد فوجئت وأنا أستمع إلى تلك النتائج، ولكن لماذا أدهش!

إنني أشبه في نسبي أوباما، فأنا من أم بيضاء من كنساس وأب أجنبي يشبه والد أوباما قدم إلى جامعة كامبريدج بولاية ماساشوتس كطالب متخرج، حيث التقى والدتي أثناء الحرب العالمية الثانية وتزوجا ثم انتقلا بعد ذلك إلى موطن والدي في بيرو حيث ولدت.

كنت أعلم على الدوام أني مزدوجة العرق جزء مني أميركي والآخر أبيض. كان من السهل تتبع سلالة أمي فهي أنجلو ـ أميركية، لكن الجانب البيروي من شخصيتي كان مثار شكوك بالنسبة لي منذ أن اطلعت على ألبوم العائلة لأرى ملامح آسيوية وأفريقية: فخالتي كانت ملامحها زنجية مميزة وأخرى تحمل الملامح الصينية، لم يقرني أحد، بالطبع، إلى ما ذهبت إليه، لكن ما إن شاهدت نسب تحليل الـ«دي إن إيه»، حتى اعتراني شعور طاغ بتاريخي، فأنا لم أكن ثمرة زواج ثنائي العرق، بل إن نسبي تختلط فيه أعراق متعددة. وعندما أرسلت مرة أخرى أطلب تحديد نسبة الهندو ـ أوروبية قالوا لي إن الجانب الأبيض مني أتى من شبه القارة الهندية والشرق الأوسط والبحر المتوسط وشمال أوروبا، وهو ما دفعني إلى الاعتقاد بأن مئات من الزيجات مختلطة الأعراق دخلت في نسبي.

ما حدث معي يمكن أن ينطبق على الكثيرين من الأميركيين ذوي الأصول اللاتينية، لأننا كنا في ذلك النصف من الكرة الأرضية قبل إخواننا من الشمال بقرنين، وكان لدينا الوقت لكي تختلط أنسابنا، فنحن نتاج تلقيح متبادل جمع بين البني والأبيض والأسود والأصفر لمدة 500 عام منذ أن وطئت أقدام كولومبوس أرض العالم الجديد.

وفي البداية، شجع الأسبان والبرتغاليون الزيجات بين الأجناس، فتاريخهم من الاستكشاف والاستعمار والاستغلال بني على أكتاف رجال ـ جنود وبحارة ـ تُركوا لكي يجدوا زوجات محليات ويروضوا براري أميركا. ولكي توسع الكنيسة الكاثوليكية دائرة نفوذها وتزيد من أعداد رعاياها كانت على استعداد لمباركة بين أبنائها بغض النظر عن أجناسهم. مع مرور السنوات تحول السكان الأصليون لأميركا اللاتينية وتزايدت أعداد الزيجات المختلطة وانصهرت الأعراق وازدهرت الكنيسة.

كانت الزيجات في بداية الأمر تتم بين السكان الأصليين والأيبيريين أحفاد الغزاة الأسبان، فيتزوج أبناء قباطنة السفن من الأميرات، ثم تلي ذلك انتشار تجارة العبيد عبر الأطلسي، فاختلط السود والبيض والهنود ـ خاصة في فنزويلا والبرازيل ثم تلى ذلك استجلاب عرق رابع هم طائفة الحمالين الصينيين إلى القارة للعمل في جزر السماد ومزارع السكر، وهم أيضا تزاوجوا.

كان من الصعوبة بمكان على اللاتينيين في الولايات المتحدة تحديد أصولهم. وقبل أواخر الستينيات عندما أجبرت الحقوق المدنية الأميركيين على إعادة التفكير في مسألة العرق، أعدنا تصنيف أنفسنا على أننا بيض. وبعد السبعينيات عندما عرض صندوق الهسبانيك، فحصناه على الرغم من علمنا أن فكرة هسبانيك بمفردها تعتبر سخيفة، غير أنه بعد عام 2000 عندما أتيح للجميع التسجيل في أكثر من طائفة عرقية بدأ الكثيرون منا في التحقق منها جميعا: سكان البلاد الأصليون والبيض والآسيويون والأفريقيون، وسيكون من الخطأ الاعتقاد بغير ذلك.

ومع سريان هذا التاريخ في عروقنا، يميل الهسبانيك إلى التفكير في العرق بصورة مختلفة عن العرق فسكان هذه البلاد من ذوي الأصول اللاتينية لا يزالون كما وصفهم جورجي رودريجيز من مؤسسة نيو أميركا طليعة اختلاط الأعراق، فيقول رودريجيز في كتابه الجديد «المهجنون والأنذال واليتامى والمشردون»: «عند تشكيل مناخ عرقي تكون فيه الزيجات المتبادلة بين الأعراق مقبولة، فإننا بذلك نحطم كل الحواجز التي عملت بصورة ما على فصل البيض عن غيرهم في الولايات المتحدة» ويزعم أن الأميركيين ذوي الأصول المكسيكية «يجبرون الولايات المتحدة على إعادة تفسير بوتقة الانصهار لإلغاء الفوارق الفاصلة بين نحن وهم، فقد أدى ظهور المستيزو في المكسيك إلى تقلص النفوذ الإسباني العنصري في مستعمرتهم بالمكسيك، وقد قاوم الأميركيون ذوو الأصول الإسبانية النظام الأنجلو ـ أميركي العرقي وسوف يدمرونه في النهاية أيضا».

وبعبارة أخرى فإن الزواج المختلط ـ النوع الذي عرفه ذوو الأصول اللاتينية لأكثر من 500 عام، وهو ذات الزواج الذي أثمر عن باراك أوباما والأكثر وضوحا في الأحياء الحضرية في أميركا ـ يمثل ضربة قوية للعنصرية الأميركية. فلماذا لم نعتبر ذلك كموجة ثورية؟ ولماذا لم نجد كلمات للتعبير عنها؟ ولماذا نصر على استعادة النماذج البالية التي تطلق على الرجل ثنائي العرق أسود؟

يبدو أن أوباما قد اعتاد على ذلك اللقب الواحد، ففي كتابه «أحلام من والدي» قال «كنت أحاول أن أنشئ نفسي على أنني رجل أسود في أميركا، وخلف ذلك المظهر، لم يبد أن أحدًا حولي كان يدرك تماما ما يعنيه ذلك». فيمكنك أن ترى شابًا يناضل من أجل هويته للوصول إلى الكلمات المناسبة ليصفها، وفي النهاية يقبل بالوصف الذي يفرضه عليه الآخرون.

لا يجب أن يكون الأمر هكذا، فالشاعر الأميركي الكبير لانجستون هيوز كتب ذات مرة «إنني لست أسود، فهناك الكثير من الأعراق في نسب عائلتي، لكن كلمة «زنجي في الولايات المتحدة تطلق على أي من أولئك الذين يجري الدم الزنجي في عروقهم... إنني بني».

ولقد كان هيوز محقًا، فقد تباطأت الولايات المتحدة في الاعتراف باختلاط الأعراق، وأصبحت قوانين الزواج المختلط التي كانت سائدة في عهد النازي وفي جنوب أفريقيا خلال مرحلة التمييز العنصري هي القاعدة السائدة في الولايات هنا حتى عام 1967، عندما أسقطتها قضية لوفنج في فيرجينيا. وقد كان الهدف من تلك القوانين - والذي لم يكن منطوقًا لكن لم يكن أحد يستطيع نكرانه - هو الحفاظ على «نقاء» العرق لضمان تفوقه. ولم يكن زواج الرجل الأبيض من امرأة سوداء أو هندية أو آسيوية والعكس غير مرغوب فيه فقط بل كان من يقوم بذلك يتعرض للعقاب.

وقد أدى ازدياد أعداد الأقليات في نصف القرن الماضي في الولايات المتحدة إلى إتاحة الزواج المختلط ، فوفق التعداد السكاني الذي أجري عام 2000 كانت هناك 1.5 مليون زيجة بين مواطنين من الهسبانيك والبيض، ونصف مليون بين آسيويين وبيض وربع مليون بين سود وبيض، والحقيقة أن العدد ربما يكون ضعفين أو ثلاثة أضعاف هذا الرقم وهو قابل للزيادة.

الأدلة موجودة في كل مكان إن لم يكن في أحيائنا ففي ثقافتنا، وقد شهدنا ذلك في تيجر وودز وهالي بيري وبن كينجسلي ونانسي كوان وني يو وماريا كاري، إلا أننا لا نزال نصر على دعوة تلك الزيجات الهجينة بأسماء تخفض من واقعها بيرس أسود وكنجسلي أبيض وكوان أصفر. حتى أنهم أسموا أنفسهم باللون الغالب على بشرتهم. فمع تلك اللغة كيف يمكننا الإدعاء بأننا نتعايش في مجتمع متجاوز للتفرقة العرقية؟

منذ عدة أعوام مضت ألقيت محاضرة عن الازدواجية الثقافية في جامعة بتسبرج، واقتربت مني طالبة وقالت لي «إنني أفهم كل ما تحدثت عنه، فأنا بنت ثقافتين، فأمي ألمانية وأبي أفرو ـ أميركي وقد ولدت في ألمانيا وأتحدث الألمانية وألقب نفسي بالألمان ـ أميركي، لكن انظري إلي ماذا تقولين عني؟» مشيرة إلى جلدها الأسود الفاتح وشعرها الأسود المجعد وعينيها اللامعتين «إنني نصف ألمانية، لكن لا أحد يصدق ذلك عندما يراني».

ويبدو أن القليلين ممن يقابلون باراك أوباما يفهمون أنه نصف أبيض، كما أن القليلين يفهمون ماذا تعني كلمة جيل ثاني كيني. وهو ما يذكرني بشيء كتبه عالم الاجتماع تروي داستر وعالم الأخلاقيات الحيوية بيلار أوسوريو: نادرًا ما يثبت لون البشر كما هو فالبيض يمكن أن يكون لهم أجداد أفارقة، والأشخاص الذين يبدون أفارقة يمكن أن يكون لهم أجداد أوروبيون.

وبعبارة أخرى، فإن لون بشرة الرئيس لا ينبئ بالكثير. إنها إشارة لا يمكن الاعتماد عليها وصيغة خادعة من التقديم للجمهور. ألم يحن الوقت لكي نتخلى عن الألقاب التي تؤكد على فرقة الأعراق؟ ألم يحن الوقت لأن تنحدر تلك اللغة؟

* ماري آرانا محررة بوك وورلد ومؤلفة «إميركان شيكا» ورواية «سيلوفان».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»