بوش في العراق: فشل أم اُفشل ؟

TT

اعتبر البعض اعتراف الرئيس بوش بانه لم يكن مستعداً للحرب في العراق، واسفه عن عدم دقة معلومات الاستخبارات الامريكية عن ارتباط النظام العراقي السابق بمرتكبي 11 سبتمبر ، وعن حيازته لاسلحة الدمار الشامل، وكذلك لجهة الكلف المادية والبشرية الكبيرة التي قدمت بالعراق، بانها اعتراف منه بالفشل، وبالتأكيد فان لهذا البعض لا يعود بعد هذا مهماً الذهاب معه والاستماع للنجاح الذي رأه بوش في اسقاط النظام الدكتاتوري واقامة الديمقراطية وانهاء نظام كان يشكل خطراً على شعبه وعلى امن واستقرار منطقته.

لاشك ان للامريكان سهمهم بالفشل ومسؤوليتهم عن الكلف البشرية والمادية والانسانية التي حدثت بسبب ما سبق وبسبب سلسلة الاخطاء المعروفة التي ارتكبوها وسياسة التجريب التي اعتمدوها، ولكن للاخرين سهمهم ايضاً، واي اخرين، ويكفي واحد او اثنان منهم ان يعيق المشروع فكيف عندما يجتمعون، هؤلاء الاخرون يمكن رصفهم ووصفهم ضمن مجموعة قوى الضد او الممانعة او الاعاقة او حتى قوى المقاومة للمشروع الامريكي المتمثل بالديمقراطية في العراق او قوى مشروع التخريب المقابل له. مشكلة او خصلة هذه القوى انها لا تؤمن بثقافة الاعتذار او نقد او تقييم الاخطاء وبالتالي لن نطمح او نتصور بانها يوماً ستقف وقفة التقييم ولا حتى جمهورها يطلب او يلتفت لذلك، فمآسي العراقيين تظل اعراضا جانبية للمشروع المقاوم ولسلامة قوى الضد لا تستحق الوقوف عندها ما دام مشروع الامريكان اعيق وافشل.

اذا كان قرار اسقاط النظام العراقي قراراً امريكياً فان ما بعده اوجد ميداناً انفتح للاعبين اخرين ضم قوى الضد والافشال والتي تنتظم بسلسلة طويلة من دول الاقليم الى دول الطوق ومن تنظيمات اممية عابرة الى اخرى محلية ومن مكونات مجتمعية اضيرت ومن اخرى انتفعت ومن قوى سياسية مناوئة ومن اخرى حتى صديقة، فالنظام الاقليمي العربي وقف اما متوجساً او فاعلاً بالضد، واسبابه ان ما جرى كان زلزالاً مهدداً لاستقرار انظمته، كونه ثالماً للتركيبة الطائفية للنظام الاقليمي العربي، ومخلاً بترتيب توازنات المنطقة، ومعلياً من النفوذ الايراني فيها، وضاغطاً باتجاه الدمقرطة وحتمية الاصلاحات، ومصعداً للاقليات سواء اقلوية عراقية كالكرد او اقلية في المحيط العربي كالشيعة مما يهدد بتحفيز باقي اقليات المنطقة، لذا وقف بعض هذا النظام بالسلب واخر منه انغمس مغذياً للعنف، اما دول الطوق فكان ابرز فاعليها ايران وسوريا اللتين شعرتا بانهما المستهدفتان بالتغيير وانهما محطته القادمة فدخلتا في حرب استباقية مع الامريكان ميدانها العراق وهدفها التجربة بجعلها غير جذابة وعالية الكلف للتبني مع تمايز في الموقف الايراني لان الديمقراطية تنتج صعود حلفائه.

اما التنظيمات المسلحة فيكفي فيها القاعدة التي عندما وزعت جهدها وفاعليتها على العالم اقلقته وهددت استقراره فكيف عندما تجمعت وتركزت في العراق، مستقطبة المقاتلة من اغلب الجنسيات المسلمة وحتى من مهاجرهم الاوربية والغربية، وموظفة كادوات لعنفها الرجال والنساء وكاملي الاهلية وناقصيها ومكتملي العقل وفاقديه، رافقتها تنظيمات مسلحة وطنية تهادنت او تخادمت معها او عملت باستقلالية عنها، والتي اججت عنفا طائفيا استدرج ردا واوجد تنظيمات مسلحة مقابلة، والتي وهي ترد كانت تقوض الدولة ايضاً وتطيح بالنسيج المجتمعي، هذه الجماعات «المقاومة» احتضنت من مكون مجتمعي في جزء منه كان مرحباً وفي غالبيته مأخوذاً وصامتاً، حيث وقف السنة بالضد من التغيير الذي افقدهم حكما تداولوه منذ ظهور العراق المسلم، او اذا تركت الذاكرة التأريخ، فمنذ نشوء العراق الحديث في عشرينات القرن الماضي، تماهوا في نظام لم يكن عامتهم منتفعين منه، ظالمهم فيه تحول الى بطلهم، تمسكوا برموزه حتى وان كان علماً لف ابناءهم في حروبه العبثية، خافوا من قادمات الايام ان تحمل لهم انتقاماً مقابلاً واستئثاراً دونهم، فكانوا المتلقين لخطاب سلفي جهادي وان اختلف مع ثقافتهم، ولآخر ايديولوجي عربي ينسجم مع متبنياتهم، ولكن المفارقة ان يجد الخطاب الاعلامي التحريض العربي صدى وتلقي عند من انتفعوا بالتغيير، عند جزء من الشيعة عندما حملوا السلاح ضده، رغم ان فرصهم في حكم العراق تجاور الصفر في ظل دكتاتور كان ستتناسل ذريته الحكم حتى يوم يبعثون لولا اللحظة التي جلبها هذا التغيير او كان عليهم بدلاً ان يرقبوا ظهور المهدي المنتظر، اما القوى والاحزاب فان بعضها دخل العملية السياسية مضطراً بقصد تقويضها واعاقتها من داخلها، في حين ان القوى الاخرى الصديقة والحليفة دخلتها بارث خلافاتها وبدائية ادائها وقصور افقها وشخصنة ارباحها وشكوكية علاقاتها، الا انه اللافت وربما المعجز المنجز بدماء والام ابنائه انه مع كل قوى الضد هذه فان العراق لم يصبح قصة فشل كما هو من التفاءل الحديث عن قصة نجاح، ولكن المهم ان اليقينيات فيه حسمت فلم يعد السؤال فيما اذا كان سيتحول الى دولة فاشلة بل متى يصبح ناهضة، والعملية السياسية باتت الخيار ولكن السؤال عن احكام قواعدها، والانتخابات عادت هي الفيصل لكن السؤال عن نزاهتها وحسن توافر اجوائها، والعراق تجاوز شبح التفتيت فعليه ان يتجاوز مشكل توزيع سلطاته ومحنة اقتتال ابنائه ولت ولكن متى يدملون جراحهم ويعودون لسابق عيشهم.

فاذا كان اعتراف الامريكان باخطائهم هو نصف الحل فان تراجع وانحسار قوى الضد هو نصفه الثاني.