حديث نملة

TT

لا يمكن ان ينسى انسان العام الذي ولد فيه والذي تزوج فيه والذي انجب فيه. ما زلت اذكر الوظيفة التي شغلت عام 1988 أي قبل عشرين عاما. أذكر مدرسة ابنتي وأذكر طلاق صديقتي. فتلك احداث تحدد معالم الطريق في عالمنا الخاص. ولكن ما هي الاحداث العامة التي تميز عاما عن آخر في ذاكرة الفرد؟

انقضى عام 2008 وبعد ايام يبدأ عام جديد ويصبح العام المنصرم جزءا من ذاكرة العالم. وفي ظرف اسابيع تتراجع اهمية احداث العام الفائت لتطغى عليها احداث جدد.

عجلة الزمن تدور بلا هوادة ولكنها حتما تتمهل عند بعض المنعطفات. فمن غير المعقول ان ينسى الناس ان عام 2008 هو عام اوليمبياد الصين الذي ترك العالم الغربي فاغرا فاه اعجابا ورهبة وتحسبا لما هو آت. وهو أيضا العام الذي شهد افلاس عدد من البنوك الغربية والشركات الكبرى وانهيار قطاع التمويل العقاري وارتفاع البطالة في الولايات المتحدة وغرب اوروبا الى مستويات غير مسبوقة. وفي المستقبل قد يتذكر العالم هذا العام كعام تغيرت بعده موازين القوى..

في بلادنا لا بد ان يذكر هذا العام على انه عام التنكيل بسكان غزة بالحصار والجوع وانقطاع الكهرباء والدواء والعملة، عام تراجع اسعار النفط، والعام الذي رشق فيه صحافي عراقي رئيس الولايات المتحدة بالحذاء.

كيف تغير العالم خلال عشرين عاما؟ في نهاية 1988 كان بوش الاب يستعد لتولي الرئاسة بعد ريغان. في نهاية 2008 يستعد ولده للخروج من البيت الابيض.

في يناير 1988 تظاهرت حشود من سكان غزة والضفة احتجاجا على سياسات الاحتلال الاسرائيلي فرد اسحق رابين، وزير الدفاع آنذاك بمنع دخول الطعام الى الاراضي المحتلة لكي يكون الجوع هو العقاب الجماعي لمن تسول له نفسه ان يقاوم الاحتلال.

في يناير 1988 أعلنت الولايات المتحدة استعدادها للتحاور مع ياسر عرفات بعد ان اصدر بيانا يدين كل اشكال الارهاب واعترف بحق اسرائيل في الوجود داخل حدود آمنة. بعد عشرين عاما ما زال الحوار مستمرا والحصار والاستيطان. مات رابين ومات عرفات وعاش ايهود باراك ومحمود عباس.

الصراع هو الصراع. الوجوه تتغير والشعارات والنفوس لا تتغير. ذهبت ثاتشر وذهب ريغان وبقيت سياسة البقاء للاصلح تحرك وتتحرك الى ان وصل الغرب الى حافة الانهيار. نسينا ثاتشر ونسينا ريغان ولكن لم ننس نلسون مانديلا الذي بلغ التسعين هذا العام. وحين بلغ السبعين في عام 1988 خرج 70000 من شباب الانجليز للاحتفال غير مبالين بأن ثاتشر اعتبرته ارهابيا. كيف ترى نفسك في مواجهة هذا العالم؟ حروب هنا ومجاعات هناك، اعاصير وبراكين وفيضانات، سياسات ومؤامرات لاغتصاب الارض وبسط النفوذ ونهب الثروات.

في عالمي الخاص أعتبر نفسي همزة على سطر من سطور كتاب الخلق والمخلوقات. نملة كتلك التي سمعها سليمان: «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين». (سورة النمل 18 -19)

في انتظار سليمان أو مانديلا هذه نملة تقول اعوذ بالله من قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن علم لا ينتفع به. كل عام وانتم تتفكرون.