أوباما.. والعلاقة مع الجيش

TT

عندما اختار الرئيس المنتخب باراك أوباما الجنرال المتقاعد إريك شينسكي لمنصب وزير شؤون المحاربين القدامى، فإنه اتخذ ما يحتمل أن يكون أكثر الخيارات أهمية من الناحيتين السياسية والأخلاقية خلال فترته الانتقالية. فعلى الجانب السياسي، يتحرك أوباما بقوة لسد فجوة واسعة بين الديمقراطيين والجيش، وخاصة بين الحزب وضباط الجيش، والتي بدأت في فترة حرب فيتنام. ومن الممكن النظر إلى تعيين شينسكي على أنه خطوة بين خطوات عديدة يتخذها الرئيس الجديد لنيل احترام وثقة القوات المسلحة. وكذلك يعطي قرار أوباما بالإبقاء على روبرت غيتس في منصب وزير الدفاع واختياره لجنرال البحرية المتقاعد جيمس جونز مستشار البيت الأبيض للأمن القومي إشارة قوية وملائمة للقوات المسلحة.

ومن الناحية الأخلاقية، يرمز تعيين شينسكي إلى تبرئة ساحة رجل تعرض للعقوبة بسبب قوله الحق خلال الاستعداد لحرب العراق. وبصفته رئيس أركان الجيش، قال شينسكي أمام الكونغرس في فبراير (شباط) عام 2003 إنه ستكون هناك حاجة إلى «مئات الآلاف من الجنود». وقبل غزو العراق بشهر، توقع أنه بسبب «التوتر العرقي الذي قد يؤدي إلى مشاكل أخرى» سيتطلب الأمر «وجود قوات برية كبيرة للحفاظ على بيئة سالمة وآمنة». وسريعا وجّه وكيل وزير الدفاع في ذلك الحين بول وولفويتز توبيخا إلى شينسكي لأنه «صرح بأمور غير صحيحة». وأخبر نائب الرئيس ديك تشيني تيم روسيرت في برنامج «مع الصحافة» بعد ذلك بعدة أسابيع أن «الإيحاء بأننا سنحتاج لمئات الآلاف من القوات بعد توقف العمليات العسكرية، وبعد نهاية الصراع، غير دقيق في اعتقادي. وأعتقد أن به مبالغة». ولكنه لم يكن مبالغا. وعندما اختار أوباما شينسكي لإدارة وزارة شؤون المحاربين القدامى، وضع أوباما ضمنيا قاعدة سامية بإعلانه الترحيب بالصادقين والمنشقين في إدارته. وهناك صلة بين شجاعة شينسكي التنبؤية وانفتاح أوباما على الجيش: فتأثير حرب العراق على سياسة القوات المسلحة تختلف كثيرا عن تأثير حرب فيتنام. وقد تسببت حرب العراق في مواجهة الجمهوريين مشكلة محتملة بسبب إبعاد كل من الضباط وضباط الصف بالطريقة التي تناول بها الرئيس بوش ووزير الدفاع في ذلك الحين دونالد رامسفيلد الحربَ، وخاصة في المراحل الأولى. وعلى النقيض من ذلك، بعد حرب فيتنام، ألقى الكثير من أفراد الجيش باللوم على الليبراليين واليساريين بسبب الفشل بمنحهم الفرصة للفوز بالحرب التي كانوا لا يزالون يرون أنه من الممكن تحقيق انتصار فيها. وتحول بعض المعارضين لحرب فيتنام للهجوم بحدة على الجيش و«آلة الحرب». وما زالت بمثابة فضيحة أن المحاربين القدامى المشاركين في هذه الحرب تحملوا الجزءَ الأكبرَ من عدم شعبيتها عندما عادوا إلى البلاد.

وفي مقال نشر عام 1997 في «أتلانتك» تناول «الفجوة المتزايدة التي تفصل بين الجيش والمجتمع»، وجد توماس ريكس، الذي عمل طويلا مراسلا لأخبار الجيش ثم التحق بالعمل في «واشنطن بوست»، أن الضباط عرفوا أنفسهم على نحو غير مناسب كجمهوريين محافظين. ورأى ريكس أن «القيم العسكرية التقليدية من تضحية ووحدة وانضباط وتقديم مصالح الجماعة على مصلحة الفرد» تختلف كثيرا عن قيم المجتمع الفردي الذي تتزايد انقساماته. واتسعت الفجوة التي يصفها ريكس بسبب الخلاف حول دور المِثليين في الجيش في بداية فترة بيل كلينتون الرئاسية. وبدأ أوباما، الذي وعد مرارا أثناء حملته الانتخابية بـ«طي صفحة» الخلافات الثقافية والسياسية الماضية، بتنفيذ ذلك على وجه التحديد مع الجيش. وهو يعتمد على جهد للوصول إلى المحاربين القدامى بدأته نانسي بيلوسي قبل أن تصبح رئيسة مجلس النواب ويقوده مساعدها السابق سبرنز سترايدر. ولفت الديمقراطيون الانتباه إلى عيوب البرامج التي تخدم المحاربين القدامى في ميزانية بوش، وكوّنوا تحالفات جديدة مع جمعيات المحاربين القدامى. وبعث الرئيس الجديد برسالة قوية بأنه سينصت إلى المشككين الموجودين بين صفوف الجيش أكثر من سلفه. وبتعيينه لضابط محبوب في الجيش كمسؤول عن مساعدة المحاربين القدامى على التعافي من جراحهم وإعادة بناء حياتهم، يهدف أوباما إلى توضيح أن التزام حزبه بتلبية احتياجات هؤلاء الذين خدموا بلادهم لم يكن مجرد دعاية انتخابية. ويحظى شينسكي، 66 عاما، الذي حصل على وسامين عسكريين أثناء خدمته في فيتنام، بالفرصة لمعالجة الجراح الاجتماعية والسياسية الناجمة عن الحربين؛ الأولى التي حارب فيها منذ عقود، والحرب الأخيرة التي توقع أعباءها بوضوح.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»