«د.ن.أ» لفض الاشتباك!

TT

بعد 35 عاما عاشتها سيدة سعودية بيضاء اللون مع أسرة مختلفة في مكة المكرمة تكتشف من خلال تحاليل الحمض الوراثي «د.ن.أ» DNA أنه تم تبديلها بأخرى في مستشفى النساء والولادة والأطفال، لتنضم بعد كل تلك السنوات إلى أسرتها الحقيقية، وتعود السيدة الأخرى كذلك إلى ذويها الحقيقيين..

هذا الخبر الذي نشرته إحدى الصحف السعودية الأسبوع الماضي قرأه صديق طفولتي المعدم، وجاء يتأبط شرا، وهو يسأل إن كان بإمكانه أن يجري تحليلا لحمضه الوراثي لعله ينتمي إلى أسرة ذات مال وأطيان بدلا من أسرته بائسة الحال، وحينما ذكرته بأنه لم يأت إلى الدنيا في أحد المستشفيات، وأن غرفة اللبن والصفيح التي ولد بها في حي «الهنداوية» لم يكن يتواجد بها أثناء ولادته سوى أمه والداية «أم عبد الكريم»، كما لم يكن من بين جاراته امرأة جاءها المخاض في تلك الليلة الحزينة التي ذرفت فيها عيون السماء زخات من الندى على ذلك الحي الفقير لتلد طفلا له صفات أسرته من الآذان النافرة، والأنوف المتضخمة، والعيون الجاحظة.. وعند ذلك الحد أخرج من جيبه صورة أبيه فكان طبق المواصفات والقسمات والتشوهات فأسقط في يده، وحمل جريدته ومضى..

إن تبديل المواليد في مستشفيات الولادة أمر ـ للأسف ـ قابل للحدوث وليس خيالا من خيالات السينما العربية خلال الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وكنت أتصور أن قصة الطفلين علي التركي، ويعقوب السعودي التي اكتشفت في العام الماضي بعد مرور أربع سنوات على تبديلهما عن طريق الخطأ في أحد مستشفيات الولادة في نجران، وما ترتب على ذلك من نشوء الطفل السعودي وسط الأسرة التركية والعكس قصة أحادية غير قابلة للتماثل، ولذا أثار أمرها الكثير من نقع الكلام، وضجيج الإعلام، لكن اكتشاف قصة أخرى هذه الأيام يصعب المسألة ويعقدها، ويرفع من ضغط الحاجة إلى تحاليل الحمض الوراثي لتطمئن القلوب، وتهدأ النفوس، ويهزم الوسواس الخناس.

وكواحد من المختصين في الحقل النفسي فإنني أقدر حجم الصعوبة التي ستواجه الفريق النفسي الذي يضطلع بمهمة مساعدة ضحايا تبدل المواليد على التكيف في بيئاتهم الجديدة، فالأمر يتطلب انتقالا تدريجيا تصاحبه مقاربة للفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الأسر التي ينتقل إليها هؤلاء، مع ضرورة توفير فرص التواصل المستمر للضحايا مع بيئاتهم الأسرية السابقة، فليس من السهل على النفس الإنسانية التخلص من محيطها الاجتماعي المألوف إلى محيط آخر لا صلة لها به من قبل.

فاللهم أعطنا خير مشافي الولادات، وآمنا على ذرياتنا من أخطاء الممرضات.

[email protected]