نواح السفينة ماندي

TT

من مصائب الحروب انها تضطر الحكومات لاتخاذ خطوات خطيرة النتائج. ما جرى في العراق مثال قريب. كل ما عاناه ويعانيه العراقيون الآن يعود لغزو ايران الذي جرهم لغزو الكويت الذي ادى لغزو العراق.

جل ما جرى ويجري في الشرق الاوسط من مصائب يعود لوعد بلفور الذي اصدرته بريطانيا بسبب الحرب العظمى املا في حصول تأييد اليهود لها في الحرب. لا هي حصلت على ذلك التأييد ولا انتصرت بسبب مساعدة اليهود ولا حل الوعد المشكلة اليهودية او انقذ اليهود من المحرقة.

كان عملا من الاعمال المتسرعة التي تفرضه الحروب على المتحاربين املا في الحصول على نتائج قصيرة الامد وتدفع عنها اثمانا باهظة طويلة الامد. بالطبع لم يكن تصريح بلفور العمل المتسرع الوحيد الذي فرضته الحرب على بريطانيا. يعتقد بعض الخبراء والمؤرخين الانجليز ان وعودها للعرب وتعبئة العرب لمحاربة العثمانيين كان خطأ آخر علمهم على رفع السلاح في وجه السلطة القائمة ومطالبة الانجليز بتنفيذ وعودهم.

بيد ان عملا واحدا صغيرا مشابها قلما اشير اليه وتجاهله المؤرخون والمراقبون. وكان من المبادرات المشكورة للبي بي سي ان وجهت انظارنا اليه وذكرتنا به أخيرا في سلسلة من البرامج الاذاعية بثتها بعنوان «نواح السفينة ماندي».

في سعيهم المحموم لحشد العساكر ضد المانيا خلال الحرب العظمى، عمد الانجليز لتجنيد السود في افريقيا الجنوبية بوعدهم بمنحهم حقوقهم السياسية والمساواة بعد الحرب لقاء تطوعهم ومساهمتهم فيها. استجاب للنداء الوف منهم. نقلوا مجموعة منهم بلغت 650 متطوعا على ظهر السفينة ماندي التي اصطدمت قرب السواحل البريطانية في طريقها الى الجبهة الغربية بالباخرة «دارو» في ليلة معتمة قارصة وضباب كثيف فانشطرت الى شطرين وغرقت مع كل من حملتهم من المتطوعين. لم يعمد قبطان دارو ولا قوارب خفر السواحل البريطانية لبذل اي محاولة لإنقاذهم. اثير هذا السؤال: لماذا لم يعبأ احد بإنقاذهم وتركوهم يهلكون في مياه بحر المانش القارصة؟ تعددت النظريات ولكن الكثيرين يعتقدون ان السبب يرتبط بلونهم وأصلهم الزنجي. لو كانوا من البيض لخف الاسطول البريطاني برمته لإنقاذهم.

الأسوأ من ذلك في رأيي تجاهل المأساة كليا. لم تقم السلطات بأي تحقيق في الموضوع ولا اهتمت وسائل الإعلام بالحادثة ولا صلت الكنائس على ارواحهم. كانت حادثة ذكرتنا بالطريقة التي كان تجار الرقيق يرمون بها في المحيط الاطلسي اي زنجي مخطوف يتمرض في الطريق الى عبوديته في امريكا. لم يبق من ذكر ضحايا السفينة ماندي الذين تطوعوا بأرواحهم من اجل انتصار بريطانيا في الحرب غير المناحات التي غناها ذووهم في نعيهم وعزائاتهم واصبحت عبر السنين جزءا من التراث الفولكلوري لقبائل الزولو. وبالطبع لم ينل السود ما وعدوهم به من مساواة وحقوق.

www.kishtainiat.blogspot.com