المعركة الأخرى!

TT

ملامح الازمة الحالية التي تعيشها المنطقة العربية جراء المحرقة الاسرائيلية بحق منطقة غزة، واستمرار سقوط عشرات الضحايا والجرحى من الفلسطينيين، تظهر أن هناك خيارين أساسيين أولهما: أن ينجح المخطط السياسي الاستخباراتي الإيراني والذي يضع القضية الفلسطينية شعارا ظاهرا له، وذلك من خلال حركة حماس والجهاد مع جهات وأطراف محورية أخرى مثل حزب الله وسورية مع وجود دعم مالي مشبوه يساعد على تنفيذ كل ذلك بقوة وفعالية، وهناك الخيار الثاني: وهو المحافظة على أسس الاستقرار وتطوير الموارد وتنميتها وتحسين وإصلاح الوضع بصورة عامة وإبعاد المداخيل المالية عن استنزاف الحروب والمغامرات العسكرية غير المخطط لها ولا المعد لها بجدية، مع الاستمرار في الضغط وبقوة لأجل حل عادل وجاد للقضية الفلسطينية المهمة والأساسية، وهما خياران يقسمان المنطقة بين العاطفة والعقل وبين الحلم والواقع وبين الكلام والفعل وبين اللاممكن والممكن. والمنطقة العربية «كتب» عليها أن ترى «فارس قومه» يظهر بين الحين والآخر واعدا ومهددا، إنها جميعا «أفلام» شاهدها العرب من قبل، كل واحد من هؤلاء الفرسان كان حريصا على مجده الشخصي بغض النظر عن عدد الأشلاء والجثث التي سيجلس فوقها، كيف لا وهو تعود أنه بالروح والدم سيُفَدى؟! فالكل يتذكر الزعيم الخالد الذي وعد باغراق اسرائيل في البحر، وأضاع من الأراضي أكثر مما كان محتلا من اسرائيل، كل ذلك نتاج «الكلام» الذي لا جمرك عليه ومجاملة لصديق عمره الذي ولاه الجيش وعتادا لا يستحقه. وآخر أراد أن يدمر ويحتل جيرانه من أجل تحرير فلسطين، فأعاد المنطقة عشرات السنين للوراء وأنزلها إلى حفرة لا يعلم مداها ولا عمقها إلا الخالق عز وجل. وآخرون غيرهما كثر، وفي كل مرة يكون الفلسطينيون هم الخاسر الأكبر في كل ما يحصل والحلقة الاضعف في كل ما ينتج، وتكبر المأساة ويزداد عدد الموتى ويكبر حجم الدمار ويا لهول المتشردين واللاجئين والمهاجرين منهم في أصقاع الأرض. وكل هذا «العته» يولد معارك أخرى، معارك انسانية كبرى لنجدة الفلسطينيين وصون كرامتهم وعلاج جرحاهم ومداواة نفسياتهم بدلا من أن يدفعوا الى التهلكة ويقذفوا وسطها ثم يتركوا بلا حماية دفعا للموت المؤكد والنهاية الحزينة البائسة. هناك معارك صون كرامة الفلسطينيين والتي تقودها الأصوات العاقلة والمعتدلة في المنطقة لتقدم لهم العون والمساندة وهي أهم المعارك وأنبلها، وإن كانت لا تنال نفس المساحة والاهتمام الذي يناله أصحاب الخطب الرنانة والشعارات البراقة. نعم هناك معركة أخرى ممكن الإقدام عليها لدعم ومساندة فلسطين وشعبها ومجالاتها كثيرة، والعون المطلوب لا سقف له ولا يمكن حصره، فالمجزرة الاسرائيلية الحقيرة لم تبق على شيء فلا هي رحمت الصبية ولا الشيوخ ولا النساء ولا دور العبادة ولا المستشفيات ولا الملاجئ. إنها جريمة العصر وعروضها مستمرة بلا توقف. وبالتالي العالم العربي مطالب بالوقوف والعمل الفعلي تجاه المساندة والدعم بدلا من إلهائهم واشغالهم في مسارح جلد الذات ومهرجانات الإهانة والتخوين التي لا تنتهي ولا فائدة منها. المعركة الأخرى أهم وبحاجة للكل وأثرها أبلغ وأوقع في نفوس الفلسطينيين الذين يعانون ممن تاجر بهم ولا يهمهم سوى أن يكون عدد الموتى والجرحى والدمار مبهرا ليستمر الترويج لدوره.

[email protected]