رسالة عن فرعون موسى

TT

أهتم دائماً بقراءة تعليقات القراء على مقالاتي المنشورة في موقع صحيفة «الشرق الأوسط» على شبكة الانترنت؛ ذلك لأنها تعكس بدون أي تجميل واقعنا الثقافي ومدى اهتمام القارئ العربي بالحضارات القديمة وخاصة الحضارة الفرعونية. وأفكر حالياً في جمع هذه التعليقات خاصة تلك التي تحتوي على أسئلة يريد أصحابها مني الإجابة عليها ونشرها في سلسلة مقالات بإذن الله في نفس هذا المكان، وربما تصدر بعدها في كتاب. وقد سعدت مؤخراً بتعليق من الأستاذ علاء جمال، من دولة الإمارات، على مقال «فرعون موسى» حيث يقول: «شكراً على هذا الموضوع الرائع. أتذكر أنّ أستاذ التاريخ في المرحلة الثانوية قال لنا إنّ هناك الكثير من علماء الآثار يجزمون، من غير دليل واضح، بأن رمسيس الثاني هو فرعون موسى، وأنّ اخناتون، زوج نفرتيتي وأول فرعون يدعو إلى توحيد الآلهة، هو إدريس عليه السلام.. وغيرها الكثير لكن أين الحقيقة؟ حتى أني قرأت كتاب «حسن المحاضرة في ملوك مصر والقاهرة» للإمام جلال الدين السيوطي وكلها اجتهادات وأقوال غير مدعومة بالأدلة.. فلماذا لا يقوم المجلس الأعلى للآثار بإصدار مجلة علمية دورية تتناول الحضارة الفرعونية وجديد الاكتشافات وطبيعة عمل فرق البحث المصرية والأجنبية، وكيفية إعادة الآثار المهربة خارج البلاد؟؟ ولماذا هناك كليات وأقسام لدراسة علم المصريات (Egyptology) في كثير من دول العالم ولا يوجد ذلك عندنا في مصر بصورة منهجية؟؟»

انتهى تعليق الأستاذ علاء جمال، وأؤكد أن كل ما يدور حول موضوع «فرعون موسى» هو مجرد اجتهادات ولا يوجد دليل لغوي أو أثري يؤكدها. الأمر الذي دفع بعض علماء الآثار الأجانب إلى نفي موضوع «خروج بني إسرائيل من مصر». إلا أن المؤكد أن الخروج قد حدث بالفعل ولا مجال لأخذ ما ورد في القرآن الكريم على غير معناه الحقيقي، فهناك أدلة قرآنية تؤكد مدى دقة وإعجاز هذا الكتاب الكريم، منها على سبيل المثال الحديث عن حاكم مصر في زمن يوسف (عليه السلام) بلفظ «ملك»، بينما عند الحديث عن موسى (عليه السلام) وقومه فإن من يحكم مصر يلقب بـ«فرعون»، وهذا إعجاز قرآني تؤكده الأدلة الأثرية والتاريخية؛ حيث كان الحاكم قبل عصر الدولة الحديثة وزمن موسى يلقب بـ«ني سو» والتي تترجم بمعنى (ملك). أما في عصر الدولة الحديثة فأصبح اللقب يأتي من التسمية «بر ـ عا» بمعنى (القصر العظيم) وفي العبرية اختلطت (الباء) بالـ (فاء) فأصبحت (فرعو) وفي العربية زاد التنوين فأصبحت (فرعون) أي (صاحب القصر الملكي أو البيت العظيم)..

وقريباً يصدر المجلس الأعلى للآثار مجلة شهرية تتناول موضوع الاكتشافات الأثرية الحديثة وما يخص أخبار الآثار والبعثات الأثرية المصرية والأجنبية وأعمال التطوير ومشروعات إدارة المواقع الأثرية.

وقد أنشأت، منذ أن توليت مسؤولية الآثار، إدارة للآثار المستردة واستطعنا إعادة مئات القطع الأثرية المهربة إلى الخارج وذلك من خلال العمل الدبلوماسي تارة واللجوء إلى القوانين والأعراف الدولية تارة أخرى. وآخر ما استعدناه من آثار هو رأس تمثال للملك «أمنحتب الثالث» من لندن بعد صراع استمر بضع سنوات، وكذلك 79 قطعة أثرية من أمريكا سرقها طيار بالجيش الأمريكي.

واتفق مع القارئ العزيز بخصوص أن أقسام المصريات في العالم كله تخرج طلاباً أكفاء على مستوى عالٍ من العلم والمعرفة سواء كانوا مصريين أو أجانب، وأنا نفسي نلت درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا بأمريكا، ولكن السؤال: متى سنقوم بتعديل طرق ومناهج التعليم في بلادنا كي نلحق بالعالم الحديث؟ وبالطبع من المفيد لنا أن نكون نحن علماء في آثارنا قبل أن يكون الأجانب علماء علينا...

www.guardians.net/hawass