إسرائيل.. بين الأمن والسلام

TT

قد تكون ملاحظة رئيس الاتحاد الاوروبي أن الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة هو عملية «دفاع عن النفس» وليس هجوما على القطاع، مجرد زلة لسان تستحق تراجعه عنها لاحقا، ولكن إذا سلمنا جدلا بتبرير الرئاسة الاوروبية للاجتياح الاسرائيلي لغزة، فبماذا تبرر هذه الرئاسة رفض اسرائيل، على مدى 41 سنة، الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة تطبيقا للقرار الدولي 242 المتخذ بمساهمة بل وصياغة اوروبية؟

لو كان منطق التسلسل التاريخي مؤشر رئاسة الاتحاد الاوروبي لتذكرت ان العدوان على قطاع غزة لم يبدأ بالامس بل في عام 1967، وتحديدا في ما سمي، إسرائيليا، حرب «الأيام الستة» واستمر بصور متعددة.. وما زال مستمرا.

وإذا سلمنا جدلا بان حركة «حماس» منظمة ارهابية، كما تدعي حكومة ايهود اولمرت، فبماذا نصف ردة فعل اسرائيل العسكرية المفرطة في العنف وغير المتكافئة مع حجم «حماس» والتي كانت حصيلتها حصد المئات من الاطفال والمدنيين الفلسطينيين الابرياء ؟

رغم الدماء المهدورة والبنى المهدومة كان أمر هذه الحرب الشرسة يهون بعض الشيء لو كانت اسرائيل تشنها تعبيرا عن شوقها المستهام الى السلام وليس سعيا وراء إدراج حركات المقاومة الفلسطينية في خانة «الارهاب الدولي».. وغسل يدها من عملية السلام؟

لو كان السلام هاجس اسرائيل لما «تلكأت» أربعة عقود في تنفيذ القرار 242، ولو بحده الادنى، ولانسحبت، على الاقل، من «أراض» عربية محتلة (كما توخى اللورد كارينغتون من الصياغة الانكليزية لقرار مجلس الامن) ولما تبنت استراتيجية فك ارتباط دول الجوار العربية «بالقضية الفلسطينية» (كما حدث بعد حرب العام 1973 وتكرس في اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة) عوض ان تطرح خطة سلام شاملة مع العالم العربي أجمع.

ولو كان حل اسرائيل البعيد المدى لتسوية وضع كيانها الدخيل على الشرق الاوسط إقرار حالة سلام تتعايش في إطاره مع دول المنطقة، لما تباطأت في تطبيق «خريطة الطريق» الاميركية ولما نسفت أسسها بمواصلة عمليات الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية.

خطأ الاسرة الدولية، وخطيئة العرب، انهم اعتقدوا ان اسرائيل تتطلع الى سلام شامل في الشرق الاوسط .

ولكن تفويتها على مدى إحدى وأربعين سنة المنقضية على القرار 242 كل الفرص الدولية والعربية التي أتيحت للتوصل إلى هذا السلام يؤكد انها لا تريد سلاما.

جل ما تريده أسرائيل هو أمنها فقط.

وهذا يعني، بالمنطق العادي، انه بقدر ما يتوصل العرب والفلسطينيون إلى ربط مطلب اسرائيل للأمن بمطلبهم للسلم بقدر ما يقتربون من إقناع صقورها بأن لأمنهم طريقا واحدا هو... السلام العادل والشامل.

ولكن حجم العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وشراسته لا يوحيان بأن حكام اسرائيل انتقلوا من ذهنية فرض الأمن بالقوة والاحتلال الى ذهنية التفاوض عليه في إطار معاهدة سلام. وهكذا نراهم اليوم يتجاوزون خلافاتهم الحزبية ليخوضوا مزايدة عداء انتخابية للفلسطينيين شعارها منافسة بنيامين نتنياهو على موقع أقصى اليمين (الامر الذي حمل صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية على الدعوة الى وقف لاطلاق النار.. ولكن داخل مجلس الوزراء الاسرائيلي).

ولكن إذا كان حكام اسرائيل فوتوا، عمدا وتخطيطا، أكثر من فرصة للتوصل الى سلام منصف فإن العرب يفوتون اليوم فرصة «التكامل» مع الفلسطينيين في نضالهم لاسترجاع أرضهم السليبة بإحجامهم، حتى الآن، عن ممارسة دبلوماسية «العصا والجزرة» مع اسرائيل في إطار مخطط يأخذ في الحسبان مفعول «العصا» الفلسطينية ـ التي اثبتت جدواها في حرب غزة ـ ليوظفوه في عملية تسوية شاملة للقضية الفلسطينية.

مؤسف أن يكون العرب منقسمين على انفسهم في هذا الظرف التاريخي الحرج، ومؤسف أكثر أيضا ان يكون الفلسطينيون أنفسهم منقسمين لا على انفسهم فحسب بل على قضيتهم أيضا، تاركين مبادرة التعامل ـ والاصح اللا تعامل ـ مع القضية الفلسطينية بأيدي صقوراسرائيل في موسم انتخابي أكثر شعاراته جاذبية للناخب الاسرائيلي الأكثرها عدائية للشعب الفلسطيني .