لم يكن كنيسة ولا فنارا

TT

استوقفني كلام المسؤول في أمانة مدينة جدة عن الثقافة والسياحة بالمنطقة التاريخية، الصديق المهندس سامي صالح نوار لصحيفة «الوطن» السعودية، عدد الجمعة 16 يناير 2009 حول المبنى الذي دارت حوله الشائعات بأنه كنيسة سابقة، إذ أشار المهندس النوار إلى أن المبنى لم يكن كنيسة، بل فنارا لإرشاد السفن يرجع تاريخه إلى 180 سنة خلت، مشيرا إلى خريطة منسوبة لبعض الرحالة حول هذا الأمر، وهذه الخريطة ـ إن وجدت ـ بحسب تقديري لا علاقة لها بموضوع ذلك المبنى من قريب أو بعيد، فالمبنى عبارة عن دار سكنية بنيت في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد بناها محمد عبده الجهني، وأبناؤه وأحفاده يمكن أن يكونوا شهودا على حقيقة تلك الدار التي شيدها والدهم، وسكنها لفترة من الوقت، قبل أن يسكنها الخواجه «ماركيز»، لتتحول من بعده إلى دار خربة بفعل السباخ في تلك المنطقة، وقد أسعدني أن تحدث للصحيفة في هذا الشأن أحد المهتمين الجادين بالمنطقة التاريخية، الأخ محمد الرقام، موضحا حقيقة البيت وتاريخه، وكنت قد تحدثت لبرنامج «عين على جدة» بقناة «العربية» عن المبنى ومالكه في حلقة، تم عرضها قبل شهور.

فالقول بأن هذا المبنى السكني كان فنارا للميناء ليس صحيحا، إذ لا يمكن بالعقل ولا بالنقل تصور أن يكون هذا المبنى قليل الارتفاع، الواقع في شمال شرق اللسان المائي «بحيرة الأربعين» فنارا، فهذا اللسان من البحر يبعد عن ميناء المدينة «البنط» بقدر واضح المسافة، ونشوء الفنار عليه تضليل للسفن وليس إرشادا لها، فهل يعقل أن تضع هذه المدينة فنارها على التخوم الشمالية لذلك اللسان الصغير من البحر المخترق لليابسة، والميناء يقع في مواجهة البحر المفتوح على مسافة من ذلك الموقع؟!

ومن المعروف أن جدة محاطة بالكثير من الشعب المرجانية التي تحدد المداخل والمخارج إلى مينائها، حتى أن السفن ظلت طويلا تقف على مسافة واضحة من الميناء، فيذهب إليها البحارة من أبناء جدة «المعادي» بمراكبهم الشراعية لنقل حمولتها من الركاب والبضائع إلى الميناء، كما أن الأسر التي تتداول مهنة إرشاد السفن في هذه المدينة معروفة، ولم يقل أحد منهم أن للمدينة فنارا في ذلك الركن القصي من لسان البحر المخترق لليابسة، شمال غرب المنطقة التاريخية.

وباختصار: إن الذين يستغلون غرابة طراز هذا المبنى السكني، المعروف النشأة للقول بأنه كنيسة سابقة مخاتلون، ومغالطون، وسطحيون في استنتاجاتهم، أما القول بأنه فنار فلا يمكن القبول به ـ كما أسلفت ـ عقلا ولا نقلا، بالرجوع إلى تاريخ المبنى، وواقع وموقع ميناء المدينة العتيق «البنط»، الذي ظل يعمل حتى عام 1951م، إلى أن انتقل الميناء إلى موقعه الحالي، جنوب غرب الموقع القديم.

ذلك ما أردت الإسهام به لكي لا نخرج من شائعة الكنيسة لندخل في إشكالية الفنار.

[email protected]