مراجعة الاشتراكية

TT

أشرت في مقالة سابقة إلى النقاش المستعر على نطاق عالمي بشأن فساد النظام الرأسمالي، وطروحات الاشتراكية كمخلص من الأزمة الحالية. بعد انهيار الكتلة الشيوعية في شرق أوروبا وظهور العجز والفشل في التطبيقات الاشتراكية في الغرب، ساد الاعتقاد بأن اقتصاديات السوق هي المثل الأعلى للتقدم والنمو. نفض القوم أيديهم من الاشتراكية والماركسية. كتب الباحث الأميركي فوكياما فقال إن أمل رجوع الاشتراكية صفر. توقفت مجلة «ماركسست رفيو» عن الصدور وأغلقت مكتبة كوليت أبوابها ورمى الكثيرون كتبهم الماركسية في الزبالة. وصوت الحزب الشيوعي البريطاني ضد الشيوعية وغير اسمه وبرنامجه. نشر فوكياما كتابه الشهير «نهاية التاريخ»، الذي أكد فيه أن البشرية وصلت نهاية تطورها في إقامة النظام الرأسمالي.

الغريب أنني بقيت من الأفراد القلائل الذين لم يتزعزع إيمانهم بالاشتراكية. وكان لذلك سببان؛ الأول أنني استسخفت طرح نهاية التاريخ واستغربت من عالم كبير يقع بمثل ذلك الخطأ (اعترف به فيما بعد). الإيمان بالتطور سنة تمسكت بها طيلة حياتي. لا شيء يبقى كما هو. والإيمان بأن النظام الرأسمالي سيبقى لأبد الآبدين خرافة هزيلة. السبب الثاني هو أنني رأيت «الوجه القبيح للرأسمالية»، كما أشار إليه إدوارد هيث. لا أستطيع أن أتمسح بنظام قائم على الظلم والفساد وانعدام المساواة واستغلال الشعوب الفقيرة والتسبب بأوضاع مزرية كالتي تجري في فلسطين.

جلست أترقب وأتوقع تفجر الأزمة الحالية. وبتفجرها أسرع الكثيرون إلى مراجعة أفكارهم عن الحلول الاشتراكية وفي مقدمتها التأميم. راحوا يبحثون عن كتبهم القديمة التي ألقوها في الزبالة. وذكروا أن كتاب كارل ماركس «الرأسمالية» أصبح الآن من الكتب الرائجة في ألمانيا. وعادت أمواج البحر إلى مدها متمثلة في الأصوات الغزيرة التي أصبح الناخبون في أوروبا يدلون بها لجانب الأحزاب الاشتراكية.

تشكل في ألمانيا حزب جديد باسم اليسار (Die Link) لم يلبث أن فاز بمقاعد كثيرة في مجالس ساكسوني وهمبرغ وهسة. وأعربت جماهير ألمانيا الشرقية بنسبة 57% عن تأييدهم للاشتراكية، وبنسبة 45% في ألمانيا الغربية. وفي هولندا؛ حيث ندد الحزب الاشتراكي بثقافة الطمع ودعا إلى المساواة والتضامن الاجتماعي وكرامة الإنسان، استطاع الحزب رفع شعبيته إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه. وفي الانتخابات الأخيرة التي جرت في اليونان رفع الائتلاف اليساري الراديكالي نسبة تمثيله بمقدار 20%. وفي استبيان شعبي، أيد 30% من الجمهور برامج الائتلاف. وفي تلك القلعة العريقة للاشتراكية، مملكة النرويج، نال الائتلاف الأحمر والأخضر 20% من الأصوات وأصبح يهدد الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة.

ما زلنا في الأيام الأولى من هذه الأزمة الخانقة. يعتقد اليساريون أنها ستكون آخر نفس للرأسمالية. وراح الخبراء يتساءلون هل سينجح فعلا العلاج الذي تبناه غوردن براون وجورج بوش لسرطان الرأسمالية «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب؟»، أم هي الأجراس تدق لعبدة المال؟

www.kishtainiat.blogspot.com