ما الذي فعلوه في فراغهم الحزين؟!

TT

في إحدى قصص الأديب شتيفن تسنايج، نجد أن البطل كان سجينا ولم يجد ما يقرأه، فلجأ إلى حيلة، وهي أن يتذكر كل ما قرأ من قصص وروايات ومسرحيات وأفلام.. وراح يقرأ قصائد من الشعر بالمقلوب. وانتهى من ذلك، ولم يجد إلا الشطرنج، فراح يلاعب نفسه وينتصر.. وفرغ من هذه اللعبة، فراح يتخيل القصص والأحداث والجرائم..

والمؤرخ العربي الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، وهو رجل وقور، قد بهدله محمد علي باشا رأس الأسرة المالكة في مصر. فقد كان الجبرتي طويل اللسان، وهاجم محمد علي كثيرا.. الظلم والقهر والاستعباد على أيام محمد علي.. وفي أيام محمد علي لم يستطع أن ينشر سطرا واحدا من مذكراته.. ولم يجد إلا حلا واحدا، حتى لا ينهار نفسيا: أن يعيد كتابة بعض قصص ألف ليلة وليلة، وأن يضيف إليها المزيد من النكت.. ولا نعرف عن هذه المحاولة إلا القليل، ولم تصلنا محاولات الشيخ عبد الرحمن.

وأنا أيضا، عندما فصلني الرئيس جمال عبد الناصر، وقد كنت مدرسا للفلسفة في الجامعة، ورئيسا لتحرير مجلة «الجيل».. وممنوعا من الكتابة أو الحديث في الإذاعة، أو السفر، أو الهرب من مصر.. وكان الأمير عبد الله الفيصل قد وعدني إنْ هربت إلى السعودية أنْ يصدر مجلة أسبوعية أَرْأسُ تحريرها. ولم أستطع.. فلم أجد إلا الترجمة؛ فترجمت رواية بديعة اسمها «الجائزة» للأديب الأميركي إرفنج والاس.. وهي تتحدث عن أين كان الفائزون بجائزة نوبل عندما سمعوا خبر فوزهم. وهي رواية أدبية فاضحة جنسية عارية. وفي ذلك الوقت، كان البرلمان المصري يناقش رواية «أنف وثلاث عيون» للأديب إحسان عبد القدوس. بهدلوا إحسان عبد القدوس. وهذه المناقشات العنيفة في البرلمان اضطرتني إلى أن أختصر في رواية «الجائزة» أكثر من مائتي صفحة.. حذفتها وأنا حزين، كأنني أقطعها من جسمي..

وظهرت رواية «الجائزة» بعد الحذف.. وحذفوا اسمي!، ولم يظهر اسمي إلا صغيرا في نهاية المقدمة الطويلة للرواية الرائعة التي مزقتها الرقابة!