إطلالة على المخاطر السياسية لعام 2009

TT

بالنظر إلى عدم الاستقرار السياسي الذي ينبثق بصورة طبيعية من ذلك التردي الاقتصادي العالمي، ليس من العسير رسم مشهد سلبي لعام 2009 ونحن نشهد أولى بداياته. لكن اشتعال الأسواق في الأشهر القليلة المقبلة سوف ينطوي على قوتين أساسيتين مهمتين، وهما فهم السياق الملائم على مدار عام كامل، مع مستوى غير مسبوق من مستويات المخاطرة السياسية.

بداية، سنشهد المزيد من تدخلات الدول في الاقتصاد العالمي.

ثانيا، سيكون هذا التدخل تفاعليا وغير متناسق عبر سلسلة من اللاعبين السياسيين المحليين والإقليميين والقوميين، الذين رأوا بثبات التكلفة أو الفوائد من المعادلة غير العالمية، التي تؤثر على قراراتهم السياسية. وخلاصة القول أن السياسة ستقوم بتوجيه دفة الاقتصاد العالمي بصورة أكثر مباشرة وبصورة غير كافية خلال العام المقبل أكثر من أي وقت آخر، منذ الحرب العالمية الثانية.

أكبر المخاطر في عام 2009، التي ستنتهي بصورة أكثر إيجابية وقليل من الأمور الجانبية:

1- الكونغرس الأميركي: تعد المخاطر السياسية من الناحية التاريخية مهمة جدا للحصول على نتائج اقتصادية في الأسواق الناشئة، لكن الأمر لن يكون كذلك في العام الجديد، فقد خلقت الأزمة المالية العالمية مساحة غير مسبوقة لتدخل الحكومات في الشؤون الاقتصادية داخل الدول المتقدمة، ولا مثال أصدق على ذلك من واشنطن.

وستأتي بأقصى ردة فعل على الأزمة المالية العالمية، في أضخم سلسلة حوافز وقرارات سياسة، مع أهم المؤشرات الاقتصادية - حكومة الولايات المتحدة. وقد تم استقبال إدارة باراك أوباما، التي حظيت بنسبة قبول بلغت 80% خلال الفترة الانتقالية، بارتياح وحماسة شديدين، ولدى علمه بمدى اتساع نطاق المشكلات التي تنتظره نحى الرئيس أوباما الأيديولوجية الحزبية (بل أفضل الموالين له)، واستقدم أفضل المستشارين من الأطياف الأخرى. على الجانب الداخلي، فإن فريق أوباما لن يكون صلبا، وإنما متماسكا، فلاري سومرز وأصدقاؤه يؤيدون حرية التجارة العالمية، والتكنوقراط المعتدلون الذين سيضطلعون بحل الأزمة (وفي السياسة الخارجية، أبدى أوباما الكثير من الموهبة، لكن ذلك لكن يكون كعمل الفريق. والتحديات في أماكن كالصين وروسيا والشرق الأوسط - التي تحتل عناوين الصفحات الأولى الآن - إنما هي مشكلة ليست عاجلة، تتطلب حلا في عام 2009 بل من الممكن تأجيلها).

والكونغرس شأن آخر، فأوباما لديه أغلبية ديمقراطية في الكونغرس أكثر مما يحتاجه هو، كما أنه سيحظى بالتحام قوي داخل الكابيتول هول، ونحن متماسكون أكثر - والإحساس الجماعي بأن الفرع التنفيذي من الحكومة قد تجاوز سلطة التشريع في الأعوام الأخيرة، لذا سيشعر الكونغرس القوي ديمقراطيا (والأكثر تقدمية من الناحية الأيديولوجية) بالحاجة إلى الرد بحزم على الطبيعة غير المسبوقة للأزمة المالية، ليبرز أنه قادر على القيام بشيء ما. وباختصار فإن الكونغرس سيتحرك بالنأي عن موقف التشريع الذي تقوده الإدارة إلى تحقيق قيادة سياسية فعلية. وخلال الأزمة المالية السابقة كان الكونغرس يعاني من الوهن في السيطرة على مقاليد التشريع أو التنظيم، وهو ما نتج عنه، من بين النتائج الأخرى، قانون سابرانز أوكسلي، الذي تعامل مع فضائح الشركات والمحاسبة لعام 2002 بتغيرات تشريعية معقدة ومرهقة. ومن المتوقع أن نشهد سلسلة من جلسات الاستماع والسياسات الاشتراكية التي تناصر المستهلك على المنتج، بالإضافة إلى المبادرات التي سيطلقها الكونغرس لحل الأزمة. هناك ثلاث مناطق شاسعة للمشاهدة، فيمكننا أن نتوقع تغييرات تنظيمية وتشريعية في الصناعة المالية: كالإشراف، ومراقبة وكالات تقييم القروض، ومراجعة قوانين الإفلاس، وتمرير تشريعات جديدة خاصة بالخدمات المالية المعقدة والمؤسسات المالية غير التقليدية، والأهم من ذلك إصلاح الوكالات التشريعية المالية.

الأمر الثاني هو التدخل الحكومي المباشر، أو السيطرة على الشركات الاقتصادية، وفي المؤسسات المالية بالنظر إلى الزيادة في الممتلكات الأميركية «أباطرة صناعة السيارات»، وتجريم إخفاقات الشركات، وعقد جلسات استماع، وتحقيقات، ومحاكمات خاصة على ضعف أداء الشركات، وزيادة التدقيق في حسابات شركات الطاقة.

ثالثا، ستكون هناك سياسات مالية تعنى بتحفيز النمو الاقتصادي وتطبيق الشطر الثاني من خطة الإنقاذ المالية، وحوافز جديدة للبنية التحتية، وإنفاق إضافي لضمان دعم الكونغرس.

بنهاية عام 2009 سيكون السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كان البيت الأبيض سيضطر إلى قيادة أجندة السياسة الاقتصادية الداخلية. وحتى في أكثر التقييمات المتفائلة فإن المزيج من الأزمة الاقتصادية والكونغرس القوي، يعني أن الميزان سيميل بصورة كبيرة عما كان عليه خلال العقد الماضي، مما يجعل نهضة الكونغرس الأميركي أكبر المخاطر في العالم لعام 2009.

2- أمن جنوب آسيا: سوف يتراجع المناخ الأمني في كل من الهند وباكستان وأفغانستان خلال العام القادم، وستجد الولايات المتحدة وأوروبا نفسيهما متورطتين في النزاعات في الدول الثلاث، دون أن تتمكن من تقديم سوى القليل بنهاية عام 2009. ما كانت شبه القارة الآسيوية لتصل إلى المرتبة الثانية لولا حشد باكستان لجنودها على طول الحدود مع الهند. كانت أماكن مخاطر الأمن والإرهاب في العالم خلال العقد الماضي دائمة التنقل باتجاه الشرق، من إسرائيل إلى لبنان إلى العراق وإيران، والآن أفغانستان وباكستان والهند، وأدت زيادة الراديكالية الإسلامية إلى هشاشة المؤسسات السياسية المحلية.

3- إيران وإسرائيل: تلاشت إمكانية توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية ضد إيران خلال العامين المقبلين، نتيجة للسياسة الداخلية التي كانت تدور رحاها بين ديك تشيني نائب الرئيس، وآخرين داخل إدارة بوش، وانتخاب باراك أوباما كرئيس. غير أن عام 2009 سيكون عام حسم في ذلك الصراع (سواء أكان بصورة مباشرة أو عبر العملاء)، بين إيران وإسرائيل.

هناك بعض النقاط المهمة بهذا الشأن، من أهمها: أنه على الرغم من الضغط السياسي الدولي في الشهور المقبلة، فإن البرنامج النووي الإيراني سيمضي قدما في طريقه، ولمنع أي عمل عسكري مباشر ضدها، ستقوم إيران بتطوير أسلحة نووية بنهاية العام (وربما في الربع الأخير منه). وستحاول إدارة أوباما الدخول في عملية دبلوماسية مع طهران، وإذا ما فشلت المفاوضات فستلجأ مرة أخرى إلى العقوبات التي ستركز على إغلاق الحسابات المشتبه في علاقتها بإيران، والتحويلات المالية، في محاولة للاستفادة من الانخفاض في أسعار النفط.

وفي نهاية المطاف فإن الأمر منوط باستراتيجية واشنطن، والولايات المتحدة، و«حلفاؤها الأوروبيون» قادرون على التعامل بصورة شخصية مع إيران النووية. أما الحكومة الإسرائيلية، التي تتعرض لضغوط داخلية كبيرة للقيام بأمر ما، فغير قادرة على ذلك. وهو ما ظهر جليا في جنوح المشهد السياسي الإسرائيلي باتجاه اليمين في الشهور الأخيرة، وتفكك حزب العمل، وظهرت بوادر قوية بإمكانية ترؤّس بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء المقبلة. على الأقل ستقوم إسرائيل بإثارة نزاع تهدف من خلاله إلى حماية أمنها القومي وسط مناخ من التهديد المتصاعد، والمبالغة في رد الفعل خلال الأسابيع الماضية على سبيل المثال، عرض يقصد به إثبات جدية نواياها تجاه الحكومة الإيرانية، لكن رد الفعل الإيراني المبالغ فيه سيأتي مشابها، حيث ستقوم بتزويد عملائها ووكلائها في الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان، بدعم مالي وعسكري.

تقام الانتخابات الإيرانية في شهر يونيو (حزيران) المقبل، في وقت انخفضت فيه شعبية الإسلاميين المتشددين، نتيجة لفشلهم في مجال الإصلاح الاقتصادي، غير أنهم يحظون بنسبة كبيرة من التأييد في مجال الأمن القومي والجيوبولوتكس والمسألة النووية، مما سيمنحهم الزخم الذي يحتاجونه، للتعامل مع الأهداف الإيرانية الحقيقية والواضحة. وسيكون من بين رد الفعل الذي سينتهجونه، دعم الضربات التي يوجهها حزب الله وحماس، إلى المناطق الإسرائيلية. كما يمكن أن نشهد بعض المضايقات الإيرانية للسفن الحربية الأميركية في مضيق هرمز، ويمكن أن تتسبب في إثارة الاضطرابات في جنوب العراق.

يخلص ما سبق إلى أن الفترة التي ستسبق الانتخابات الإيرانية ستكون محفوفة بالمخاطر، فهناك إمكانية لشن إسرائيل ضربة عسكرية تجاه إيران، لكن التوقعات بأن يؤدي النزاع الإيراني الإسرائيلي إلى قيام نزاع إقليمي كبير، ستكون أكبر في ذلك الإطار الزمني. وأصبح الواقع أنه في عام 2009 فإن الخطر الإيراني وخطر إسرائيل ولبنان وفلسطين، صارت جميعها متشابكة على نحو معقد.

وهناك أمل آخر، وهو أننا إذا ما استطعنا تجاوز عام 2009 دون نشوب صراع عسكري مباشر، فإن مستوى المجازفة سينخفض تدريجيا بصورة مميزة، ولن تتحول إيران إلى كوريا شمالية ثانية (بالنظر إلى أهمية الاستقرار السياسي والاقتصادي لجيرانها). وفي هذه الحالة قد يتم التوصل إلى اتفاق إيران النووية، وقد لا يمكن، لكن الولايات المتحدة ستلعب دورا إقليميا أقل، وسيقوم مجلس التعاون الخليجي بإدماج إيران النووية، التي سيجب عليهم أن يتعلموا التعايش معها، وعلى ذلك سيصبح منع الضربات العسكرية في عام 2010 أقل خطورة.

4- العراق: وجود العراق في المركز الخامس على القائمة أمر جيد. فمع وجود ما يقرب من 140,000 جندي أميركي في العراق، ولا يوجد تطور جاد في النموذج السياسي العراقي، يعد ذلك دليلا على التطورات النسبية في مجال الأمن، الذي نجح العراق في السيطرة عليه، بعيدا عن المخاطر التي يمكن أن تجعل العالم يعيش حالة من التوتر.

ما يثير القلق بصورة خاصة هو العملية السياسية، لا الوقف الأمني، فقد حفظ وجود القوات من الصدمات الخارجية (على سبيل المثال الهجوم على إيران والتدخل التركي في الشمال الكردي)، وعلى المستوى الحالي من الاستقرار. والتساؤل الحقيقي هو: ما السبب؟ ولأي مدى ستظل الولايات المتحدة ملتزمة بتعهداتها بعدد معين من القوات؟ لقد وعد أوباما بسحب القوات القتالية من العراق في غضون 16 شهرا، وقد تلقى توضيحات من جنرالات أميركيين أشاروا إلى أن جدول الانسحاب الذي نبع من أهداف سياسية سيكون غير كاف للأهداف الأمنية الحقيقية.

وبالنظر إلى عدم الشعبية - والتكلفة الإنسانية والاقتصادية - لنشر القوات، سيواجه أوباما بوقت عصيب يقاوم فيه الضغوط ببدء سحب عدد كبير من الجنود في عام 2009، وسيكون الأهم من ذلك الإعلان عن جدول زمني لسحب عدد آخر، الأمر الذي سيؤدي إلى بناء تحالفات سياسية في العراق: ستزداد الفصائل الشيعية المتطرفة في بغداد والجنوب جرأة، ويشتعل النزاع بين الأكراد والعرب، بتعيين حكومة إقليم كردستان، ومصادر الطاقة بها. وسيكون الأمر من الخطورة بمكان من الناحية السياسية بالنسبة إلى نوري المالكي والحكومة المركزية في بغداد، أن ينظر إليهما على أنهما يعملان مع الأميركيين.

وسيخلق الانسحاب الأميركي المحتمل من المدن العراقية بحلول يونيو 2009 مساحات جديدة للميليشيات المسلحة، والأخرى التي انخفض نشاطها، وستعيد من إصلاح نفسها وستتنافس من أجل الحصول على نفوذ أكبر. يبرز ذلك تجدد مخاطر تجدد العنف الشيعي، خصوصا بين جيش مقتدى الصدر وفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي. والانتخابات المحلية التي كانت الحكومة العراقية تأمل في إقامتها في 31 يناير (كانون الثاني)، ستعرض الدولة إلى أن تتحول إلى فصائل شيعية، مما سيصعب من مهمة الحكومة في محاولة إخمادها، وبالتالي فإن التطبيق الفعلي لذلك يفترض أن يكون الجدول الزمني تحديا، وسيظل التدخل الأميركي عامل حسم في الحفاظ على مستوى الاستقرار الحالي.

سيكون لكل تلك الشكوك أثرها على قطاع الطاقة، والهواجس بشأن مخاطر العنف والالتزام الأميركي بالأمن، إضافة إلى أن شروط العقود النفطية المبهمة ستقوض رغبة الشركات النفطية العالمية الكبرى في الالتزام بموارد مميزة لعقود خدمة طويلة الأجل، وهو ما سيرفع الإنتاج النفطي العراقي. الأمر الأكثر أهمية أنه دون وجود نظام فيدرالي ذي امتيازات سياسية واقتصادية واضحة، تمنح للحكومات المحلية، ستظل الحكومة المركزية عاجزة عن تقديم الضمانات السياسية والقانونية والأمنية الضرورية لحماية التنمية الاقتصادية المدعومة في البلاد.

6 - تركيا: بالحديث عن الارتباك الداخلي، فإن تركيا تعرف تلك المشكلة، فالدولة لديها كل أشكال العوامل لصالحها - اقتصاد متنوع وديموغرافيات قوية وجغرافية مسار تجارة مشجع للغاية وعلاقات قوية بالدول الغربية وجيرانها الشرق أوسطية - غير أن المعركة التي تدور رحاها بين العلمانيين في القضاء والجيش والصناعة ضد الإسلاميين في الحكومة، باتت تشكل عقبة حقيقية في وجه التقدم الاقتصادي. وبدأت قيادة حزب العدالة والتنمية التي شعرت بأنها تحمل عبء الدعم الشعبي من جانبها، غير راغبة في المصالحة، وبدلا من ذلك بدأت في إبعاد المنشقين من داخل الحزب. ولكي تزيد الأمور سوءا فقد حزب العدالة والتنمية روحه الإصلاحية واعتنق موقفا قوميا، مما زاد من صعوبة التوصل إلى حل للمشكلة الكردية الشائكة.

نتيجة كل ذلك، أصبحت الجبهة الدولية أكثر توترا، فقد أحدث التشكك الأوروبي المتزايد في تركيا وازدياد الشعور المناوئ لتركيا في أوروبا، التعزيز من تعقيد مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، المعقدة بالفعل. ومن الممكن أن تتعرض العلاقات التركية الأميركية إلى أزمة، إذا ما أوفى الرئيس أوباما بوعده الانتخابي، ووافق على الاعتراف بالإبادة الجماعية التي مورست بحق الأرمن، وهي خطوة ستثير الحكومة والرأي العام التركيين. وسيثير الانسحاب الأميركي المبكر من العراق المخاوف في أنقرة والمتعلقة بطموحات قادة الأكراد في شمال العراق، والحرب ضد حزب العمال الكردستاني.

وباختصار فإن الوقت سيئ بالنسبة إلى تركيا لكي تحاول أن تجذب نفسها من الأزمة الاقتصادية، ومن المتوقع أن يزداد النزاع الداخلي سوءا قبل أن يتبدل إلى وضع أفضل. لكن الأهم أن ذلك النزاع لن يتخطى الحدود التركية حيث يظل داخليا، ففي حالة تركيا فإن البؤس لا يحب الرفقة.

7- الخليج العربي: على الرغم من التراجع في أسعار النفط، والضربات الموجعة التي تعرضت لها الاستثمارات نتيجة لتدهور الأسواق العالمية، فإن المخاوف الحالية من الراديكالية العنيفة والخطر المحتمل من العراق وإيران وإسرائيل وجيرانها، والاستقرار السياسي في الخليج، يظل عاليا جدا.

وستبقى السعودية - التي أعدت ميزانية لأكثر أسعار النفط انخفاضا، كما شرعت في اتخاذ خطوات مهمة تجاه الإصلاح الاقتصادي - بين أكثر دول الخليج استقرارا. كما أرسى العاهل السعودي أساسا ضخما من التأييد بين شعبه، الأمر الذي ساعد بدوره في الوقت الذي ساد فيه الانخفاض النسبي بالمملكة (وللحقيقة الواضحة، يعتبر هذا الانخفاض نسبيا فعليا، فالسعوديون ما زالوا يعملون بصورة جيدة).

ويعتبر الأمر صحيحا تماما بالنسبة إلى قطر، وعمان، والإمارات، إذ ساند رأس المال السياسي إمكانية تعرض إمارة دبي للخطر، فضلا عن تدخل إمارة أبوظبي لتوفير الدعم المالي البنكي اللازم. وستتغير الديناميكيات الداخلية لسياسات الإمارات العربية المتحدة بصورة جذرية، وسيكون لأبوظبي كلمة واضحة في استراتيجية التنمية الخاصة بدبي، ولكن لا يتعين أن يكون لهذا الأمر أثر سلبي على الاستقرار السياسي للبلاد.

ومن المحتمل أن يكون زيادة الترابط والتماسك السياسي بالمنطقة بمثابة القصة الكبيرة لعام 2009، فقد تحسنت العلاقات السعودية القطرية، التي كانت تشوبها الشوائب منذ فترة طويلة، وسييسر هذا الأمر من زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين. كما أنه من المحتمل أيضا أن نرى تنسيقا سياسيا متحسنا في العراق، والاستقرار الإقليمي بصفة عامة، حتى إنه من المحتمل أن يتضمن هذا تلطيف الأجواء والعلاقات مع إيران، إذا ما أسفرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع عقدها في شهر يونيو (حزيران) عن وصول رئيس جديد إلى سدة الحكم. وسيعمل ما تفعله الولايات المتحدة لتسوية هذا الأمر، مع رغبتها في الاحتفاظ بالدولار ليكون بمثابة العملة الاحتياطية للعالم، على توتر العلاقات داخل المنطقة، وستكون العلاقة السعودية هي الجديرة بأن يتم متابعتها في ما يتعلق بهذا الشأن.

ومن الواضح أن إدارة الرئيس أوباما بها أناس يرغبون في التحرك في هذه القضية (وذلك من حيث ستيفن تشو وزير الطاقة المرشح في إدارة أوباما، واختياره لكارل براونر مشرف الطاقة الجديد داخل الويست وينغ، أو عدم قول أي شيء عن تنشيط وتقوية وكالة الحماية البيئية)، ولكن ليس في هذا العام، فهناك الكثير والكثير من الأولويات الأخرى، وهناك قدر كبير من الحاجة إلى إنقاذ الصناعة ماليا، دون زيادة نفقات وتكاليف المدخلات والمواد الخام، كما أن أسعار النفط في أقل معدلاتها فعليا منذ 5 أعوام. حتى إن رأينا أي نوع من التحرك تجاه الحد الانبعاثي ونظام المتاجرة، وما بعد اتفاقية كيوتو، فستضمن آليات احتواء التكلفة وضع حد لأسعار المواد الكربونية.

في تلك الأثناء، سيتضاءل التنسيق الأوروبي في ما يتعلق بالاستجابات إلى الأزمة المالية، كما أن التزامات الحد الانبعاثي لعام 2020 قد قلت فعليا من 30% إلى 20%. ومن جديد، ستؤدي النتيجة النهائية إلى خفض أسعار المنتجات الكربونية. وستمر الأسواق الناشئة بأوقات عصيبة من أجل تحديد الأولويات، وبخاصة الصين، التي كرست جهودها لتحفيز النمو (وإذا كان هناك أي دعم قريب الأجل من تخفيض الانبعاثات الصينية، فسيأتي من تدمير النمو، لا من سياسات الطاقة النظيفة). ويعني انهيار أسعار الطاقة أن سياسة تغير المناخ كأداة لأمن الطاقة ستتراجع هي الأخرى.

وتعتبر المقالات محركا قويا بالنسبة إلى الأسواق العالمية، لتحملها إلى سياسة بشأن تغير المناخ، ولكن ليس هذا العام.

*رئيس أوراسيا غروب، وهي مجموعة استشارية للمخاطر السياسية، ومؤلف كتاب «منعطف J: طريقة جديدة لفهم أحجية صعود وهبوط الدول»

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»