لاحقوا مجرمي الحرب

TT

بعد انقشاع الدخان والتوقف الهشّ لإطلاق النار تكشف الحجم الحقيقي لمأساة الغزاويين. فبعد أن كانت غزة سجناً كبيراً لأهلها تحولت اليوم إلى مقبرة وساحة عزاء ودمار هائلين. لكن وبموازاة الصدمة التي يعيشها فلسطينيو غزة جراء الخسارات المروعة في الأرواح والممتلكات ارتفعت في اسرائيل وتيرة القلق جراء ما تكشف عنه المشهد خلال أيام الحرب وبعدها.

بدأ الإعلام الاسرائيلي ينقل هواجس رسمية وخاصة من احتمالات ملاحقة مسؤولين اسرائيليين من سياسيين وعسكريين من قبل القانون الدولي بتهم ارتكاب «جرائم حرب» في قطاع غزة خلال عملية «الرصاص المصبوب».

هذا الاحتمال يبدو هذه المرة أكثر جدية من المحطات السابقة التي ارتكبت فيها اسرائيل جرائم حرب وفشلت العدالة الدولية في مقاضاة المسؤولين عنها. فالمشاهد المروعة التي شاهدها العالم لغزة وأطفالها الذين أبيدوا تحت الأنقاض أو من خلال القنص والقتل العمد حركت عدداً لا يستهان به من المنظمات الحقوقية والمسؤولين في مؤسسات دولية كبرى التي شرع عدد منها في توثيق هذه الانتهاكات عبر مقابلات وصور لضحايا الهجمة الاسرائيلية.

كل التسريبات التي نقلتها الصحف وأجهزة الإعلام الاسرائيلية توحي بحجم القلق غير المسبوق في اسرائيل إزاء احتمالات مواجهة ضباط الجيش ووزراء ونواب في الكنيست ودبلوماسيين أوامر اعتقال في أنحاء العالم ومحاكمة على غرار ما تعرض له مسؤولون كبار في صربيا وزيمبابوي.

الأمر يزداد سوءاً بالنسبة إلى اسرائيل بعد السماح لوسائل الإعلام الغربية بالدخول إلى القطاع ومشاهدة حجم الدمار.

ومسألة دخول الإعلام بدأت بالتوافر خصوصاً لإعلاميين عرب تمكنوا من الوصول إلى غزة عبر معبر رفح من مصر، وهذا يعني أن الاهتمام الإعلامي بغزة سيتوسع ولن يقتصر على مراسلين محليين بل سيشمل عدداً أكبر من الصحافيين والعاملين الذين انتدبتهم مؤسساتهم للتحقق عن قرب من واقع الأمور في القطاع المنكوب.

هنا ربما على الصحافيين والإعلاميين العرب الذين بدأوا يفدون إلى غزة لنقل معاناة أهلها، إلى جانب نقل حقيقة المأساة التي يعيشها الفلسطينيون، تحويل هذا التعاطف إلى حملة لها جدوى ترتكز على مبدأ عدم تقويض قيام الدولة الفلسطينية ومقاضاة المسؤولين الاسرائيلين عن جرائم الحرب وهذا ما يبدو حتى الآن أنه يثير قلقاً ليس عابراً في الدولة العبرية.

إنها لحظة مهمة ينبغي التقاطها لخلق استراتيجية فاعلة ونشطة إعلاميا وسياسياً..

من المهم اليوم عدم دفع الفلسطينيين إلى خيارات انتحارية من خلال شعارات ودعوات كتلك التي تحدثت عن أن المقاومة هي الخيار الوحيد أو أن ما حدث في غزة هو انتصار.

من الأخلاقي اليوم وبموازاة مداواة الجروح الفلسطينية الكبرى والمؤلمة التعامل مع الفلسطينيين إعلامياً وسياسياً بمنظور أكثر عقلانية وأخلاقية.

الغزاويون يحتاجون إلى العدالة ولتبدأ تلك العدالة بمقاضاة اسرائيل وردعها عن ارتكاب جريمة جديدة، ولتكن الوسيلة هي تجييش سياسي وإعلامي واسعان لا كلاماً عابراً بلا جدوى.

كفانا لعباً بدماء أهل غزة.. فمن غير المقبول استنطاق العواطف وتوسيع بحيرة الدم.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام