تحقق الحلم في 20 من الشهر الحالي

TT

قبل 45 عاما، أعلن والدي الدكتور مارتن لوثر كينغ عن حلمه بشأن أميركا «بأن يأتي اليوم الذي تثور فيه الدولة وتعيش بعيدا عن المعنى الحقيقي لعقيدتها». ورددت كلماته - التي أطلقها برفقة الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن في 28 أغسطس (آب) 1963 - بقوة يوم 20 يناير (كانون الثاني) 2009. وارتقى الغايات التي طالما أيدها الرئيس لينكولن ووالدي عندما أدلى باراك أوباما باليمين الرئاسية لتولي منصبه.

وخلال السنوات التي أعقبت مسيرة واشنطن، أصبحت بلادنا أكثر بعدا عن تلك القيم أكثر من الميلين الفاصلين لمبنى الكابيتول (الكونغرس) عن نصب لينكولن التذكاري. وكان من المفترض أن يكون مارتن لوثر كينغ الأب فخورا على نحو استثنائي بالرئيس أوباما، كونه أول رئيس أسود للولايات المتحدة. والأكثر أهمية من ذلك، أنه من المحتمل أن يكون أكثر فخرا بأميركا التي انتخبته.

وفيما كنت أتابع الأحداث الواضحة يوم الانتخاب من كنيسة إيبينزر المعمدانية في أطلنطا - والتي كان والدي مساعد راعي الأبرشية فيها - لم يتغلب علي فقط الشعور بالابتهاج الذي غلّف الكنيسة، بل أصابني أيضا شعور عميق بالفخر والانتصار. ولم أشاطر فقط الشعور الغالب بشأن التنفيس النفسي الوطني، فقد كان فوز أوباما شخصيا بالنسبة لي على نحو كبير.

لقد كان عمري 10 سنوات فقط عندما تم اغتيال والدي. لقد وهب مارتن لوثر كينغ الأب حياته لكسر حواجز صراع بلادنا حول المساواة، كما وهب حياته لصراع من شأنه أن يمنحنا جميعا الفرصة لإدراك حلمه. ومع فجر يوم التنصيب التاريخي، فكرت مليا وتذكرت الأوقات التي قضيناها أنا ووالدي مع بعضنا البعض. ورغم أنني كنت صغيرا حينها، إلا أنني أدركت أنه يفعل شيئا كبيرا، لكنني لم أدرك حينها مدى عظم هذا الشيء. وتذكرت الوقت الذي كان زملائي في الفصل يضايقونني بالسخرية من وصفهم لوالدي على أنه «سجين». ولدى عودتي إلى المنزل وأنا أذرف الدمع باكيا، أخبرتني والدتي: «لقد ذهب والدك إلى السجن ليجعل العالم مكانا أفضل لكل أطفال الرب»، وبعدها عدت إلى المدرسة وأنا أشعر بالفخر.

وفكرت أيضا في حديقة الملاهي التي كنت أرغب يائسا في الذهاب إليها، إلا أنني لم أستطع ذلك بسبب العزلة العرقية. لكن والدي أكد لي أنه سيأتي يوم سيكون بمقدوري الذهاب إليها. وكأي طفل صغير، قمت بموازنة وقياس مدى نجاح والدي، وعلمت أن مجهود والدي سيحسن من العالم بالفعل، إذا ما سمح العالم لي فعليا بركوب السيارات المتصادمة بالملاهي.

ومنذ انتخاب أوباما، غالبا ما كان يتم سؤالي إذا ما كنت ظننت أنني سأعيش حتى أرى اليوم الذي يتولى فيه رجل أسود الرئاسة أم لا، وكانت إجابتي – نعم - مفاجئة في الغالب. ولكن إذا ما كان والدي ما زال حيا، لكان أجاب نفس هذه الإجابة. فإن لم يكن لديه الإيمان والإحساس بإمكانية الأمر، فما من مبرر لديه للمحاربة منذ اليوم الأول.

لقد كان يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) يوما مشرقا في تاريخ بلادنا، ومن المهم تذكر أن انتخاب باراك أوباما ليس دواء شافيا كافيا للعلاقات العرقية بالبلاد. لقد أنهى التعديل الثالث عشر العبودية، ومع ذلك فإن التمييز العنصري، والعزل العرقي ما زالا متفشيان منذ مئات السنوات. نعم، تم منح السود حق الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات عام 1965، إلا أن الأمر استغرق 43 سنة حتى يصل أميركي من أصل أفريقي إلى سدة الحكم بالبلاد. ورغم أن انتخاب أوباما قربنا أكثر من طريق المساواة، إلا أنه لم يرسم لنا الحلم الذي تصوره والدي.

وسيحصل أوباما على الفرصة، والواجب الحتمي عليه بارتداء عباءة أبراهام لينكولن، وليندون جونسون، وبوبي كينيدي - وبالطبع عباءة مارتن لوثر كينغ الأب، إلا أن هذا الواجب ليس مقصورا على أوباما دون غيره، إذ يجب علينا جميعا أن نعتنق هذا الحلم ليتحول إلى مسؤولية مدنية. وحتى يتحقق بصورة مؤثرة، يجب أن يكون لنا جميعا دور نشط في ديمقراطيتنا وأن نناصر تلك القضية من أجل الصالح العام.

لقد كرست حياتي بعد بلوغي سن الرشد لمواصلة عمل والدي، وتخليد إرثه. وبعد 5 سنوات، ستحل الذكرى الخمسون لمسيرة واشنطن. وكما نعد غدا للاحتفال بصفحة جديدة في التاريخ الأميركي، فلنأخذ على أنفسنا عهدا بتقليل معدل الفقر إلى 20% مع حلول هذا الحدث التاريخي المهم.

ولنقم سويا بتعزيز بناء المجتمع عبر تمويل البرامج التي تعزز من الخدمة في المناطق الأكثر فقرا لدينا، ولننتهج الحلول التي لا تميل إلى استخدام العنف في جميع الصراعات سواء الداخلية منها أو الدولية. ولدي يقين بأن الشعب الأميركي وزعامة أوباما ستعلن في يوم من الأيام اقتراب حدوث هذا، وذلك عندما نهب جميعا - سودا وبيضا، أغنياء وفقراء، شبابا وكبارا - جنبا إلى جنب للعمل لتحقيق حلم والدي.

* الرئيس والمدير التنفيذي لجماعة رياليزنغ ذا دريم

(إدراك الحلم) غير الربحية

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»