محاذير إعمار غزة

TT

غزة ليست لبنان في مسألة التعامل مع ما بعد الحرب في الإغاثة والإعمار. الفروقات جوهرية في التعاطي مع الكارثتين في جوانب عديدة. فقد واجهت المانحين للمعونات في لبنان إشكالات أبرزها المشاحنات بين الأطراف الحاكمة على الأرض، والخلافات أيضا مع الأطراف المتبرعة، وهناك السرقات التي أخذت صيغا مختلفة وكذلك البيروقراطية الحكومية. عدا أن مساحة لبنان هائلة التي تكبر قطاع غزة بأكثر من عشرين مرة.

أستبعد احتمال سرقة الأموال والمعونات لأن القطاع يحكم من قبل فريق واحد، يسهل اتهامه غدا لو تجرأ على نهب أموال المساعدات. وهذا لا يعني أن المساعدات لن تخضع لضغوط من حكام غزة المتورطين في خلافات هائلة مع فرقاء على الأرض، لكنهم في النهاية فريق واحد يسهل محاسبته أو معاقبته أو رفض التعامل معه. ولا أعتقد أن حماس تريد وقف الإغاثة أو تعطيل إعادة الإعمار مهما كانت خلافاتها السياسية، لأنها ستصبح في مواجهة المواطنين الغاضبين.

في لبنان تضررت المساعدات بسبب الخلافات بين الفرقاء حول كيفية صرفها ولمن. وتعطلت أيضا بسبب الخلاف الخارجي، حيث إن حزب الله، الطرف المتورط في الحرب، هاجم ورفض مساعدات السعودية التي كانت أكبر المتبرعين، وبعد أكثر من عامين غير موقفه وصار يطالب بحصته في تلك المعونات. وأستبعد تماما أن يقتدي قادة حماس في غزة بفعل حزب الله لأن هذا يعني أنهم سيخسرون مليار دولار سعودية، التي تمثل أكبر المعونات على الإطلاق.

المشكلة الحقيقية التي ستواجه الداعمين هي إسرائيل. فإسرائيل ستسعى جاهدة لتعطيل أي إغاثة أو بناء في القطاع، لأنها تعتبر استمرار تطويق القطاع ومنع المساعدات جزءا أساسيا من الحرب. وهي تستطيع من خلال افتعال سلسلة من العقبات منع الإغاثة وتعطيل الإعمار بحواجز تمنع السفن والشاحنات، وقد تمر أشهر وربما سنوات دون أن تسمح للشحنات الكبيرة بالعبور.

وهنا أمام المانحين مخارج محدودة لتجاوز العقبات الإسرائيلية أبرزها الحصول على إجازة وحماية دولية لمشروعات الإعمار. وقد يتطلب ذلك إدخال العامل الغربي كمراقب من أجل ضمان وصول المساعدات. وسيتطلب تبعا لذلك برنامجا واضحا لطبيعة المشروعات الإغاثية والإعمار في القطاع المنكوب.

ولابد من الإشارة إلى العقبة الأخيرة وهي الخلافات العربية أيضا ستلعب دورا في التخريب لا البناء وتضميد الجراح. فقد بدأت دعاية عربية سلبية تحرض أهالي غزة ضد المساعدات العربية تحت أعذار مختلفة. وقد بدأت دعوات توحي بالتخاذل العربي، تحرض الغزيين قائلة لماذا لم تصل المساعدات، ولماذا لم تبن البيوت المهدمة، وكل يعرف أن الإغاثة عملية معقدة طويلة ولن يرى أحد نتائجها سريعا على الأرض. والنزاع العربي العربي لن يوفر معركة حتى لو كانت على الأدوية والأغذية والسكن، حيث سيسعى كل فريق للتشهير بالآخر. وبالتالي هذا الفريق الذي يحرض على القتال عن بعد، أيضا سيحرض ضد المساعدات.

[email protected]