الفرصة الجديدة والأخيرة أمام السلام في الشرق الأوسط

TT

من الواضح أن الرئيس الأميركي الجديد، مقتنع بأولوية معالجة «مشاكل» الشرق الأوسط، من أجل تحقيق السلام في هذه المنطقة الجد حساسة من العالم ومعالجة مسألة الإرهاب الإقليمي والدولي المنطلق منها. وأنه مصمم على ذلك، وبأسلوب جديد. والدليل هو استعجاله، بعد ساعات من تسلمه منصبه، بتوقيع قرار إغلاق معتقل غوانتانامو وقرار تعيين شخصيتين ناجحتين في حل النزاعات، كوسيطين من قبله، بين الأفرقاء المتنازعين في هذه المنطقة.

ولكن هل تكفي النية والرغبة والعزم، لدى رئيس شاب مثالي واعد، لكي ينتقل العالم، والشرق الأوسط معه، من الحالة التي تركهما فيها الرئيس الأميركي السابق، إلى حالة السلام والاستقرار والتعاون والازدهار، التي يحلم بها الجميع؟ فهناك، قبل النيات الحسنة والرغبة، المصالح، على نوعيها: الراهن والاستراتيجي. مصالح الولايات المتحدة، ومصالح الدول الكبيرة الأخرى أيضا، و مصالح الدول البارزة أو النافذة في منطقة الشرق الأوسط الكبير، الممتدة من باكستان إلى شمالي القارة الإفريقية. ولا سيما إيران. ولا ننسى مصلحة إسرائيل المؤثرة على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، ولا مصلحة الحركات والتيارات والأنظمة الإسلاموية الضاغطة، منذ سنوات،على الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي، التي تعتبر نفسها في حالة حرب «جهادية» ضد الولايات المتحدة والغرب.

ففي خضم هذه المصالح المتضاربة والمتلاقية، ليس من السهل قيادة أي سفينة إلى شاطئ السلام، مهما كان الربان ماهرا وصادقا ومصمما.

لقد حدد الرئيس الأميركي الجديد، في خطاب القسم، الشروط المسهلة لنجاح مقاربته الجديدة لمشاكل الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي، وهي: 1- نظرة أميركية جديدة إلى العالم الإسلامي. 2-الاعتراف بأن العالم تغير وأن على الولايات المتحدة أن تتغير. 3- دعوة الشعوب العربية والإسلامية إلى محاسبة حكامها على أساس ما يبنون لا على أساس ما يهدمون. وملخص هذه الشروط، أن على المسؤولين العرب والمسلمين مساعدة الولايات المتحدة في نهجها السياسي الخارجي الجديد، سواء في تحقيق الإصلاحات التي تتوخاها شعوبهم، أم في اتخاذ القرارات الجريئة التي يتطلبها الانتقال من حالة التوتر والحرب، إلى حالة السلام والاستقرار.

وقد تكون تلك هي الصخرة التي ستصطدم بها مهمة المبعوثين الأميركيين إلى الشرق الأوسط. وذلك لأن أحد المفاتيح الكبيرة «لأقفال» الأزمات العالقة في هذه المنطقة من العالم، باتت في يد إيران التي باتت تتزعم وتقود جبهة الرفض والممانعة العربية-الإسلامية، وتطمح إلى القيام بدور الدولة الكبرى أو المهيمنة على الشرق الأوسط. والسؤال المطروح هو: هل يبدأ الحل بتفاهم أميركي-إيراني؟ أم بتوافق فلسطيني- إسرائيلي ؟ أم باتفاق عربي-إسرائيلي شامل؟

إن توصل واشنطن وطهران إلى تطبيع العلاقات بينهما قد يستغرق سنوات، بينما لا يتحمل الوضع في فلسطين كل هذا الوقت. ومن هنا الاعتقاد بأن لحل الأزمة مفتاحين: أحدهما في يد إيران والثاني في يد إسرائيل، وإلى حد ما في يد الفلسطينيين. واستمرار الانقسام الفلسطيني، مع احتمال عودة نتنياهو إلى الحكم، قد يعرقلان أو يعطلان المحاولة الأميركية الجديدة للسلام في الشرق الأوسط.

إن مواصلة السياسة «البوشية»، أي الاحتلال العسكري للعراق وأفغانستان، ودعم إسرائيل المطلق، ومحاصرة إيران، وتحدي مشاعر الشعوب الإسلامية، بات، باعتراف الجميع، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي الجديد، مضرا بمصالح الولايات المتحدة، ومكلفا ثمنا غاليا جدا لها، لا تستطيع تحمله، لا سيما في الظروف الاقتصادية والمالية الخطيرة الراهنة فيها وفي العالم. ولكن إيران وجبهة الممانعة والقوى التي تشن معها أو بقيادتها «الحرب المقدسة» على الولايات المتحدة والغرب، تخطئ كثيرا إن هي اعتقدت بأن الولايات المتحدة سوف تنسحب من الشرق الأوسط، كما انسحبت من الفيتنام. وأن الأنظمة العربية سوف تخلي لها المجال لوضع اليد على نفط الشرق الأوسط، وإنشاء «امبراطورية جديدة» تمتد من إيران إلى شواطئ المتوسط. أو أن النزاع العربي-الإسرائيلي يمكن حسمه بالقنابل النووية.

إن فتح حوار أميركي مع إيران، أفضل من مواصلة سياسة الحصار أو الاحتواء. وأن «إرغام» إسرائيل على القبول بالمبادرة العربية أفضل من استمرار الوضع الحالي. وأن توحيد الصف الفلسطيني هو الطريق الوحيد لقيام الدولة الفلسطينية، وليس تسليح المقاومة ووضع حماس يدها، عسكريا أو انتخابيا، على الضفة. وأن انضمام تركيا إلى الصف العربي في لعبة مصير الشرق الأوسط، أفضل من تطلعها إلى الاتحاد الأوروبي، وصداقتها مع إسرائيل. ولكن، هذا كله، يتطلب من جميع الأفرقاء واللاعبين على مسرح الشرق الأوسط - كما اعترف الرئيس الأميركي- أن «يتغيروا مع تغير العالم» وأن يقدموا الإصلاح على الأمن، والبناء والانفتاح، على العنف والقتال.

إن نجاح الرئيس الأميركي الجديد في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، قد تكون الفرصة الأخيرة أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية والشعب الفلسطيني، وإسرائيل أيضا، كي يوفروا على العالم حربا عالمية ثالثة، تنطلق هذه المرة من الشرق الأوسط.