بلا جنازة!

TT

عند منتصف ليلة 5 ديسمبر (كانون الأول) 1791 توفي عبقري الموسيقى «موتسارت».. في بيت متواضع في العاصمة النمساوية فيينا. وكان مرضه هو الفشل الكلوي أو هو الحمى الروماتزمية.. وكان العلاج في ذلك الزمان هو «فصد» المريض حتى ينزف دما.. ولا يزال الأطباء في أوروبا يرون أن الإنسان يجب أن يتبرع بالدم.. وأن يستغني عن كثير من الدم الذي عنده لكي ينشط القلب، ويولد دما جديدا.. ويرى الأطباء أيضا أن المرأة أصح من الرجل وأطول عمرا، بسبب العادة الشهرية التي تجعلها تنزف دما..

ويبدو أنهم أسالوا دما كثيرا من «موتسارت».. ومات «موتسارت» وحده.. فلم تكن زوجته هناك.. هذا رأي.. ويقال إنها كانت هناك، ولم تمش في جنازته.. ويقال إن أحد أصدقاء «موتسارت» جاءها وقال لها: «لا تضيعي أموالك في جنازته..».

والموسيقار النمساوي «فولفجانج أماديوس موتسارت» مات عن 35 عاما. وكان قد بدأ تعلُّم العزف في الرابعة من عمره، عندما علمه أبوه العزف على البيانو.. فكان أعظم العازفين طفلا وشابا.. ثم علمه كتابة النوتة الموسيقية وقراءتها.. وكان أول إبداع موسيقيّ له في السادسة من عمره.. وظل الإبداع يفيض من أصابعه حتى آخر لحظة من حياته. وفى الأيام الأخيرة تورمت أصابع يديه وقدميه.. فلم يستطع أن يكتب؛ فكان يملي الموسيقى على تلاميذه.. فقد أملى أوبرا «الناي السحري»، وظهرت الأوبرا على المسارح، ولم يستطع أن يراها.. ثم إن أحد النبلاء قد طلب إليه تلحين قداس يعزف أثناء جنازة زوجة هذا النبيل، مقابل مبلغ من المال.. ولم يستطع «موتسارت» أن يكتبه؛ فأملاه على تلاميذه.. وكان يعزف اللحن بشفتيه.. وهم يرددون وراءه.. وجاءه الموت سريعا، فأكمله تلاميذه من بعده. وقد أحس «موتسارت» أن هذا اللحن الجنائزي سوف يعزفونه في جنازته هو. وكان حسن الظن.. فلم تكن له جنازة.. ولا عزفوه في جنازته، وإنما عزفوه على الأوبرا، وتحت اسم مؤلف آخر.. فذهبت أرملة «موتسارت» إلى القضاء.. وحكم لها القضاء ضد هذا النبيل الذي اعتاد أن يشتري الألحان الموسيقية وينسبها إلى نفسه.. واختفى النبيل مفضوحا حتى مات!!

ومما يروى عن «موتسارت» أنه في السادسة من عمره كان يعزف أحد مؤلفاته الموسيقية في قصر «شين برون» في فيينا، وكان الإمبراطور والإمبراطورة وكل الأسرة المالكة والنبلاء حاضرين.. وبسرعة ظهر الطفل، الذي هو معجزة كل الأطفال في كل زمان ومكان، وعزف ببراعة نادرة.. فلم يكن أحد يستطيع أن يرى أصابعه، ولا أن يلاحقه.. وانتهى من العزف، واتجه إلى الإمبراطورة ـ وليس الإمبراطور ـ وحاول أن يتسلق ساقيها.. فساعدته وأجلسته على حجرها.. وفى أذنها قال لها «عندما أكبر، سوف أتزوجك!».