قاهر دافوس

TT

ستبقى الحرب الإسرائيلية على غزة ترخي بثقلها على كثير من المجريات السياسية، وعلى نحو مكثف، وربما غير مألوف أحيانا، ولعل المثل الأبرز على ارتدادات ما ارتكبته إسرائيل في غزة هو ما جرى في سويسرا. فالمشادة الكلامية التي وقعت بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس خلال فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي، هي واحدة من تجليات تلك الحرب وانعكاساتها، حتى على دول كانت أقرب إلى خانة التحالف من الصدام.

الاشتباك الكلامي والنادر الحدوث بين أردوغان وبيريس، بات الشغل الشاغل والعنوان الأبرز للتغطيات والمتابعات والمنتديات الإلكترونية، وبات أردوغان شخصية شعبية على امتداد العالمين العربي والإسلامي، إلى حد أن البعض وصفه بـ«قاهر دافوس».

لا شك أن غضبة أردوغان إزاء محاولات بيريس تبرير الحرب على غزة، وانتقاده للمصفقين لكلام الرئيس الإسرائيلي باعتباره دعما للهجمة العسكرية ولقتل المدنيين، أمر أخلاقي ومطلوب، كي لا تغرق منتديات السياسة والنقاش في كلام غير مسؤول وغير مقبول، لا إنسانيا ولا سياسيا. ولعل الانفعال الذي رافق كلام بيريس ونبرته العالية دليل على عدم ارتياحه لما جرى في القاعة التي شهدت السجال.

ما يعنينا هنا هو تركيز الانتقاد من قبل أردوغان على مدير الجلسة التي شهدت المشادة وهو الصحافي والكاتب في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد أغناتيوس، الذي لم يمنح أردوغان سوى دقيقة واحدة للرد على بيريس، وقاطعه خلالها مرات. حجة أردوغان أن أغناتيوس منح بيريس خمسا وعشرين دقيقة، فيما لم يعطه سوى دقيقة واحدة للرد، أما حجة أغناتيوس فهي الوقت والنظام وضرورة إنهاء الجلسة ليتوجه المشاركون نحو العشاء...

حاول بعض المعلقين الدفاع عن أغناتيوس في ظل الهجمة عليه، سواء من قبل أردوغان أو من قبل جمهور واسع، خصوصا في العالم العربي والإسلامي، الذي أثارته الحادثة ومست مشاعر لم تهدأ بعد، جراء حرب غزة. سمعة أغناتيوس وخبرته لم تحولا دون كم هائل من النقد وجه إليه لمحاولته إسكات أردوغان.

لا شك أن إدارة جلسة حوار يضم شخصيات من طراز أردوغان وبيريس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووسط حضور من نخب واقتصاديين وسياسيين، أمر ليس سهلا ولا عاديا، وبالتالي يصبح حجم التحدي على عاتق المنظمين ومديري الحوارات أكثر صعوبة، لكن في عالمنا السريع والمفتوح على احتمالات عدة، ربما علينا أن لا نضيع البوصلة، ولو عن غير قصد.

الوقت ثمين ومهم، وكذلك النظام والالتزام، لكن في لحظة كتلك التي شهدتها الندوة، لا بد من الانتباه لأمر آخر.

لا شك أن لهذا النقاش بُعدا أخلاقيا لا تصمد أمامه ذريعة الوقت، وإن كنا أمام عالمين من القيم المختلفة والمعايير المتفاوتة، ولكن الصحيح أيضا أن اللحظة التي فاتت مدير الندوة التقطها أردوغان ووظفها في أكثر من اتجاه، فهو بالنتيجة من خرج منتصرا في النقاش، وهو جنى ثمارا قيل إنها تخوله لفوز جديد في الانتخابات التركية. ولكن الأهم أيضا أن أردوغان تمكن بانسحابه من تركيز الأنظار على قضية، يعتقد أنها محقة، ولا يعتقد شيمعون بيريس ذلك.

diana@ asharqalawsat.com