ماذا بعد الحوار مع إيران؟

TT

أخفقت الحملة الانتخابية في مواجهة الخيارات الصعبة التي يجب على أميركا أن تتخذها لاحتواء التهديد النووي الإيراني. وعبر التركيز في الغالب على المخططات فقط، حجبت الانتخابات الأسئلة ذات الأهمية الحقيقية، المتمثلة في: ما الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تطالب به فعليًّا عندما تصل أخيرًا إلى الحوار مع إيران؟، وعندما ترفض إيران موقفنا الافتتاحي، ما المقدار الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تقبله للتوصل إلى اتفاق في النهاية؟.

وبعد كل هذا، مازال أي تصرف افتتاحي أمرًا متنبأً به كلية، فمن المحتمل أن تشرع إدارة أوباما في المفاوضات، من خلال التشديد على أن تعلق إيران جهودها الرامية إلى تخصيب اليورانيوم. لقد كان الإذعان لهذا المطلب - المفروض من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2006، وتم تكراره عدة مرات منذ ذلك الحين - هو هدف المفاوضات التي يقودها الأوروبيون مع إيران، والتي عاب الرئيس أوباما على إدارة بوش لعدم الانضمام إليها. ومع ذلك، عارضت إيران ـ بإصرار ـ مطالب الأمم المتحدة والحلفاء الأوروبيين. ومن الحماقة توقع الحصول على رد مختلف فقط، لأن الولايات المتحدة موجودة على طاولة المفاوضات. وبالتأكيد سيكون الرد الإيراني هو الرفض، وستفترض بذلك أنها يمكنها فعليًّا أن تجبر العالم على برنامج التخصيب الخاص بها.

وماذا بعد؟. بعد بضعة اجتماعات غير ناجحة، سيعبر الخبراء من داخل وخارج الحكومة ـ بصورة متزايدة ـ عن مخاوفهم إزاء الموقف الأميركي، وسيتساءلون: ألم نطلب الكثير للغاية؟. وربما كان من المنطقي أن نطالب بالتعليق في عام 2006، عندما كان لدى إيران 164 جهاز طرد مركزي عاملا، ولكن هل من المعقول الآن أن نطالب بذلك في الوقت الذي تزعم فيه إيران أن لديها أكثر من 5000 جهاز طرد مركزي عامل فعليًّا، بالإضافة إلى أن المزيد في طريقهم للعمل؟، حينها سيؤكد البعض أن الوقت يسير في صالح إيران: ففي الوقت الذي نهتم نحن فيه بالتفاوض، سيستمر الإيرانيون في إنشاء المزيد من أجهزة الطرد المركزي. لذا، ألا يتعين علينا أن نصل إلى أفضل الاتفاقات التي يمكننا التوصل إليها الآن، حتى ولو سمح لإيران بالاستمرار في عمليات التخصيب؟.

وسيقترح النقاد بعض المواقع الارتجاعية، مثل السماح لعمليات التخصيب، ولكن تحت الضمانات الدولية المعززة، التي يمكنها ـ افتراضًا ـ الكشف عن تطوير الأسلحة النووية. وربما يقترحون فرض حدود صارمة على حجم اليورانيوم الذي يمكن لإيران أن تعمد إلى تخصيبه، أو كما اقترح الدبلوماسي المتقاعد توماس بيكرينغ وزميلاه في الكتابة ويليام لورس، وجيم ولش العام الماضي، السماح بالتخصيب، ولكن شريطة أن تحول إيران جهود التخصيب الوطنية خاصتها إلى برنامج متعدد الجنسيات، يملكه ويديره جمع من الدول.

وتكمن المشكلة هنا في أنه قد تطالب الدول الأخرى بالمنطقة بأن تحظى بنفس المعاملة، وذلك على غرار الدرس المستفاد من قرار إدارة بوش بالتخلي عن معارضتها بإنشاء مفاعل نووي إيراني في بوشهر، إذ قضى هذا الخيار على أي إمكانية معارضة إنشاء مفاعل نووي آخر في أي مكان آخر بالشرق الأوسط. ومثال ذلك.. كيف يمكننا أن نشرح للسعودية ومصر أننا نثق بأن مفاعلات الطاقة النووية في إيران معدة للأغراض السلمية؟، أما بخصوصكم، فإننا لا نثق بهذا؟.

وينطبق نفس هذا المثال على التخصيب، فبمجرد أن نقبل تخصيب اليورانيوم في إيران، سيكون من المستحيل علينا إنكار نفس الإجراء على الحكومات الصديقة بالمنطقة، ناهيك عن الأخرى غير الصديقة، مثل سورية. وستتجلى النتيجة في انتشار التكنولوجيات النووية الخطيرة التي طالما سعينا لتفاديها.

وستتعاظم المخاطر ـ بكل تأكيد ـ إذا قبلنا بتحويل «ناتانز» إلى مركز للتخصيب النووي، حيث لن يستثمر الشركاء الدوليون في عملية التخصيب الأولية التي تركن إلى التكنولوجيات القديمة غير المضمونة نتائجها، وسيصرون على التوصل إلى أحدث معدات التخصيب، والإدارة الغربية، وإمكانية الوصول إلى أسواق التصدير، وهي المطالب التي أدى غيابها إلى إعاقة تقدم جهود التخصيب في إيران حتى وقتنا الحالي. وفي المقابل، طالما بقي برنامج التخصيب النووي الإيراني على حالته غير الشرعية، وخضوعه الدائم للنقد والاستهجان الدولي، لن يتحول إلى نموذج دولي للدول الأخرى.

لهذه الأسباب، لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون أكثر توقًا في التوصل إلى اتفاق حول هذه المشكلة العالقة أكثر من طهران ذاتها، كما يجب على أوباما أن يقنع إيران بأنه يمكنه أن يقبل فشل المفاوضات. وبالطبع، يتعين عليه أن يفعل ذلك في غمرة التوقعات المتزايدة التي صنعها بدعوته للدخول في ارتباط مباشر وغير مشروط مع طهران. ومن المحتمل أن يمثل هذا.. التحدي الدبلوماسي الأكبر للرئيس.

* مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الأمن الدولي وحظر الانتشار النووي فيما بين 2002- 2006.