تائهون في المنتصف

TT

ما زال يتعين على إدارة أوباما أن تتعلم أن الوسطية المعتدلة ليست براغماتية، وأنها لن تكون أداة فاعلة في حل أزمة كبيرة، وأنها لن تساعد في كسب الحب على الإطلاق.

الغريب، أن الأخبار السارة بالنسبة إلى الرئيس - في الموافقة أمس على خطة تحفيز اقتصادية - والأخبار غير السارّة أكدت على نفس الدرس.

جاءت الأخبار غير السارّة في المراجعة السلبية المبكرة لخطة إنقاذ البنوك التي قدمها وزير الخزانة تيم غيتنر، إذ لم تمثل تغييرا يمكننا الاعتقاد فيه، فقد كان تغييرا لم يتمكن أحد من استيعابه. وكل ما نعرفه الآن هو أن هذه الخطة، كما قيل من قبل عن موسيقى فاغنر، أفضل مما تبدو. لكن مَن بإمكانه التأكد من ذلك، بالنظر إلى الغموض الذي اكتنف تصريحات غتنر؟

إن ذلك هو ثمن الوسطية المعتدلة: يبدو أن الخطة حُددت على أساس الوضع الذي لا ترغب في أن يكون بدرجة أكبر من الوضع الذي كان موجودا فعلا، وأوحى بها الخوف من الصورة التي تبدو عليها الأشياء وليس الطريقة التي تسير بها الأمور فعليا.

لم يرغب غيتنر في أن تبدو الإدارة يسارية، لذا رفض التأميم المؤقت للبنوك سيئة الأداء، غير أن ميزة التأميم تنبع من أنها مباشرة: كانت الحكومة ستستحوذ على البنوك سيئة الأداء - بدلا من إهدار المليارات عليها - وتعيد ترتيب الأمور داخلها ثم تبيعها.

لا يعد التأميم المؤقت للبنوك حلا مثاليا، لكنه فكرة أفضل من تحمل دافعي الضرائب الديون السيئة، في الوقت الذي يُسمح فيه للبنوك بالإبقاء على الأصول الجيدة. فالمشاركة في الخسائر، مع خصخصة الأرباح، تعد طريقة لاستغلال دافعي الضرائب. وما يزال غامضا، بالنسبة لي على الأقل، كيف سيحمي مقترح غيتنر مصالح دافعي الضرائب.

نعم، لم يكن غيتنر يرغب في أن يصبح - معاذ الله - ممثلا لما يفكر فيه العامة، إذ لم يقبل بنصيحة ديفيد أكسيلرود كبير مستشاري الرئيس أوباما، بوضع قيود صارمة على الدخول التي يحصل عليها عباقرة عالم المال الذين يلقي إليهم دافعوا الضرائب بمدخراتهم. نتيجة لذلك أثار غيتنر المزيد من الشكوك في برنامج حكومي ضروري من ناحية أولئك الذين غضبوا بصورة مشروعة من تعالي أصحاب الشركات المالية في وول ستريت.

مرة أخرى، ربما يكون ذلك غير منصف في حق وزير الخزانة. ربما سينظر إلى خطته، عندما يتم الكشف عنها بصورة كاملة، على أنها لا تعكس عقدة الارتباك وإنما تعكس عقدة الذكاء. آمل أن يكون في استطاعة غيتنر إعادة تحريك النظام الاقتصادي بسرعة أكبر عبر مزج جزرة الحوافز للقطاع الخاص مع عصا الرقابة. ومع ذلك، لا يزال من الصعب فهم البراغماتية في قرار الإدارة بسحب الأضواء عن مشروع قانون خطة التحفيز بالإعلان، في نفس الوقت، عن خطة بنكية غير مكتملة.

ومع ذلك، كان النصر الذي حققته خطة التحفيز خبرا سارّا بالنسبة لأوباما، على الرغم من أن المبلغ النهائي - 789 مليار دولار - أقل مما كان يجب أن يكون ولم يتضمن بعض برامج الإنفاق المفيدة. وجد أوباما ثمة حراكا بعد أن توقف عن جعل كلامه اللبق عن العمل المشترك بين الحزبين بالدرجة التي تطغى على قضيته الأساسية بشأن الإنفاق الحكومي واسع المدى لإنعاش الاقتصاد.

وقد كان مشروع القانون التوفيقي الذي أقره مجلس الشيوخ جوهر تفضيل وهم الاعتدال على الواقع. وبعد حذف كميات كبيرة من المساعدات المالية المخصصة للولايات وتعمير المدارس وأوجه أخرى، من مشروع قانون مجلس النواب، جعل من يطلق عليهم أعضاء مجلس الشيوخ المعتدلين من مشروع القانون أقل قدرة على التحفيز.

ويقدر مارك زاندي من موقع «إكونومي دوت كوم» التابع لـ«موديز» أن يوفر مشروع قانون مجلس الشيوخ فرص عمل أقل بـ625,000 فرصة من مشروع قانون مجلس النواب. ومن المؤكد أن «الاعتدال» لا يعني خلق وظائف جديدة أقل.

* خدمة واشنطن بوست

خاص بـ«الشرق الأوسط»