القيصر يفضل الخنافس

TT

ثمة رسالة مقتضبة في باب «رسائل إلى المحرر» في «التايمس»، 10 فبراير (شباط) 2009، مطبوعة بحرف أبيض، لعدم الاهمية، لا أسود، ومنشورة في كعب الباب تماما. صاحب الرسالة هو الرفيق ديمتري بسكوف، الناطق الرسمي باسم رئيس وزراء روسيا فلاديمير بوتين، ويهمه أن يوضح لقراء «التايمس»، ان الرفيق بوتين لم يحضر الحفلة التي أقامتها فرقة «أبا» في 22 يناير (كانون الثاني) على بحيرة فالداي، بل كان ليلتها يعمل بكل اجتهاد في مكتبه في الكرملين. والاهم من ذلك، كما يوضح الرفيق بسكوف، ان الرفيق فلاديمير ليس معجبا كثيرا بأغاني فرقة «أبا» بل هو «يفضل أغاني البيتلز».

دائما العذر يكون أقبح من الذنب. عندما منحت الملكة اليزابيت فرقة البيتلز وساما تقديريا، زأرت الصحافة الشيوعية في العالم: العمال جائعون والملكة تكرم الخنافس، ما هذا الغرب المنزلق الى الانحطاط؟ يومها كان الرفيق بوتين، الذي أعطاه والده اسم الرفيق فلاديمير ايليتش لينين، عضوا في حركة الشبيبة الماركسية العاملة في سبيل توحيد طبقة الشغيلة في المنظومة الاشتراكية العالمية. وكانت الاغاني الوحيدة المسموح بها في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية هي التي تمجد بحارة نهر الغولغا وعمال فلاديفوستوك. يا للهول يا سيدي الرفيق فلاديمير. في تلك الايام، كان الـ«كي.جي.بي» إذا قبض على روسي يصغي الى اذاعة أجنبية، يهيئ له وسادة من الثلج وفِراشا من الجليد في سيبيريا.

أجل، الـ«كي.جي.بي»، الذي كنت أحد ضباطه. أين؟ في ألمانيا الشرقية، بلد الجدار والشكاسي والرفيق اولبريشت. والآن، ماذا الآن، يا عزيزي فلاديمير؟ الآن تنفي حضور الحفلة على بحيرة فالداي، ليس من حيث المبدأ، بل من حيث الذوق. انت مع البيتلز الذين غنوا «كل ما تحتاجه هو الحب».

كيف سيقرأ الروس، الذين أمضوا أعمارهم في الطوابير بحثا عن كيلو من اللحم كالذي يأكله الرأسماليون الرجعيون الانحرافيون الامبرياليون، خبر الحفلة على بحيرة فالداي ونفي الناطق الرسمي الذي لم يرق له أن يختلط الأمر على «التايمس»: السيد رئيس الوزراء معجب بالبيتلز وليس بفرقة «أبا».

كم هو عدد الارواح التي أزهقت في سيبيريا لأنها أحبت أغنية «بورجوازية» أو قرأت كتابا إمبرياليا؟ وما هو رأي الرفاق الشيوعيين الأوروبيين الذين رأوا الرفيق فلاديمير في دافوس يغير كل يوم طقما من الحرير؟ الأقمشة الأخرى لا تليق بالرجل الذي أبقى من الزمن الشيوعي على شيء واحد: أن يبقى في الكرملين، رئيسا أو رئيسا للوزراء، وقيصرا صغيرا، ويحب الغناء.